ــ سُلْطَانُ العارفين ( مُحي الدّين بن عربي ) يُؤَنِّثُ نادي الشّعر ( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين ) ــ
كان لأعضا ء نادي الشّعر وَ أحبّا ئه مَوْعد مع المُسامرة الرّمضا نيّة الثّانية ، مسا ء يوم الجمعة 17 ـ 5 ـ 2019 ، وَالتي عنوانها : ( الخيال المُتّصل عند الصّوفيّ محي الدّين بن عربي وَ علاقته بالحبّ الإلهيّ من خلال ديوانه " ترجمان الأشواق " ) ، حيْثُ قدّم عضو النّادي الأستاذ الشّاعر ( بوراوي بعرون ) ورقةً في الغرض مُنبّها منذ البداية إلى أنّ المدخل الذي اعتمدهُ في مُقاربة موضوع المُسامرة هنا هو مدخل سيميا ئيّ . وَ بالفعل ، فقد جا ء مضمون دراسته وفيّا لِما ألْزمَ به نفسه ، إذْ توقّف عند سيميا ء العنوان ( ترجمان الأشواق ) مُبيّنا المعنى الاصطلاحيّ لكلمتيْ هذه العبارة ، وَ مُجمِّشا مدلوليْهما منْفصليْن ثمّ مُرتبطيْن بالإضافة عند الصّوفيّين عامّةً وَ عند ( ابن عربي ) بالتّخصيص . وهذا ما جعله يستنتج في الأخير أنّ المُفكّر وَ الشّاعر ( أدونيس ) كان مُحقّا في تعريفه للتّصوّف بكوْنه ( شوْق الظّاهر إلى الباطن ) حتّى أنّه وجد مصداقا لهذا التّعريف في فهمه لعنوان الدّيوان وَ في تدبّره لمناخات المُدوّنة ككلّ ... ثمّ خلص الأستاذ ( بعْرون ) في مستوًى ثان من توسّله بالمنهج السّيميائيّ إلى محاولة فهم منزلة الخيال عند ابن عربي وَ مضمون تعريفه ، فَوَجده مُتمَثِّلًا في المُطلق الذي يتماهى مع العما ء ، " فَفِي العما ء ظهرتْ جميع المُمكنات مُنتشيةً بِنَفَسِ الرّحمان ، كما يُعَبِّرُ ابن عربي " . وَ أوْضح الأستاذ ( بعرون ) ، مُعْتَمِدًا أدونيس هذه المرّة أنّ هذا العما ء يُمثّل البرزخ بين المعاني وَ تجسّداتها . وَ هذه الحضرة البرزخيّة تنهض ظلًّا للمطلق ، وَ فيها تنكشف الموْجودات ممّا يعني أنّ هذه المَوجودات لا تعدو كوْنها ظِلّا لهذا الظّلّ السّابق . يقول أدونيس : " إذا نظرنا إلى العالَم عبر هذا الوجود الثّوْب ، هذا الوُجود الحادث ، يكون العالَمُ بالنّسبةِ إلى ابن عربي عالميْن ، وَ تكون الحضرة حضرتيْن : عالم الغيْب أوْ عالَمِ الملكوت ، له حضْرةُ الغيْبِ . وَ عالم الحضور أوْ عالَم المُلك وَ له حضرة الشّهادة " . وَ إذْ يُعمّقُ ابن عربيّ فكرته هذه فإنّه يُرصدُ بيْن هذيْن العالميْن عالما ثالثا يتولّد من اجتماعهما وَ تفاعلهما هوَ عالمُ الخيال ... بعد الإفاضة في هذه العوالم الثّلاثة خلص الأستاذ ( بعرون ) إلى أنّ الخيال في فهم ( ابن عربي ) " رحِمٌ يُصوّر فيها الخالق ما يشا ء. وَ هذا هو الخيال المُتّصل ، وهو التّجلّي الإلهيّ في الصّور التي يُدركها البصر . أمّا الخيال المُنفصل فهو المُطلق أيْ العما ء حيْثُ كينونة اللّه " ... وَ على ضوْءِ هذا التّعريف للخيال وَ التّمييز بين نوعيه عند ابن عربي اختار الدّارس بوراوي بعرون نصّا شعريّا نمُوذجا من ديوان ( ترجمان الأشواق ) لِتَبَيُّنِ ملامحِ هذين العالمين المُتصادييْن في إبداع ابن عربي الشّعريّ وَ في سفره الصّوفيّ ... أمّا في المرحلة الثّالثة من بحثه هذا السّلس وَ الشّيّق ، فقد اهتمّ الأستاذ ( بعرون ) بِسيمياء الحبّ في ( ترجمان الأشواق ) فأحاط بمعنى الحبّ الإلهيّ عند الصّوفيّين عامّة وَ عند ابن عربي خصّيصًا حيثُ العلاقة بين المتصوّف وَ اللّه قائمة على المحبّة لا على الخوْفِ . وَ لأنّ هذه العلاقة تجسّدتْ في الديوان المذكورعبر واسطة هي فتاة تُدعى ( النّظام ) وَ تُلَقّب بِ ( عيْن الشّمس وَ البها ) فقد توقّف المُحاضر عند مسألة تقديس ابن عربي للمرأة ، شأنُه في ذلك شأن جميع الصّوفيّين ، فهو القا ئل : ( لا خير في مكان لا يُؤنَّثُ ) . وهو القائل في الفتوحات المكّيّة : ( ليْسَ في العالَمِ المَخلوق قُوَّةٌ أعظمُ من المَرأةِ لِسرٍّ لا يعرفه إلّا من عرف فيمَ وُجِدَ العالَمُ )... أَمّا وَ قد خلص في المرحلة الرّابعة من بحثِه إلى الإحاطة بِسيميا ء الصّورة في ( تُرجمان الأشواق ) فقد بيّن المُحاضر ملامح الرّؤيا فيه وَ كيف أنّها قاربت الإلغاز وَ التّعمية ، الشّيئ الذي دفع الشّيخ الأكبر إلى شرح ما انغلق منه على القرّا ء في مؤلَّفٍ مخصوص . وَ قد جا ء تِ القصيدة النّموذج التي اختبر من خلالها الأستاذ بوراوي عالَمَ الرّؤيا عند ابن عربي مصداقا لِما طفح به شعره من رموز وَ كنايات وَ مجازات أخرى مُتنوّعة... وَ جميعها تُمثّل ، كما قال الباحث هنا جسرا بيْن المَرئيّ وَ اللّامرئيّ في تجربة ابن عربي الرّوحيّة وَ الشّعريّة... وَ إذ اختتم الأستاذ ( بُوراوي ) دراسته هذه المُمتعة وَ المُفيدة عن ابن عربي بالتّسا ؤل تحت عنوان ( سيميا ء الوصول ) قائلا : هل كان ابنُ عربي مُجدّدا أمْ مُقلّدًا؟ فإنّه انتهى إلى جواب لا يخلو هو نفسه من ازدواجيّة فرضتْها تجربة ابن عربي الإشكاليّة. فمع أنّه خرج بالتّجربة الصّوفيّة إلى آفاق عرفانيّة أرحبَ قصّر عنها سابقوه ، فإنّ نموذج قصيدته ظلّ هو نفسه الذي وُرِثَ عن الأسلاف بنيةً وَ غرضا ، وَ إن كان يُشهد لابن عربي بنجاحه في جعل التّغزّل بالحبيبة مطيّة إلى الاحتفا ء بالحبّ الإلاهيّ ساعده في ذلك توسّل الرّمز وَ الكناية ... هذه الازدواجيّة في تجربة ابن عربي هيَ التي جعلت الإجابة على السّؤَال المطروح أعلَاه عن مدى تجديد ابن عربي في ديوانه ( تُرجمان الأشواق ) تكون ب : نعم وَ لا تبعا لتنزّل ديوان الشّيخ الأكبر بين لحظتيْ الماضي وَ الحاضر فنّيًّا... إثر ذلك أُحيلتِ الكلمة إلى الحاضرين فعبّر جميع المُتدخّلين عن شكرهم للأستاذ ( بوراوي بعرون ) على جدّيّة جهده في الدّراسة المُفيدة وَ المُمتعة عن ابن عربي . كما بدا أكثرهم مشغولا بالتّسا ؤل عن مدى حاجة شعرنا وَ عصرنا الحاضريْن لهذه التّجربة الرّوحيّة العابرة للتّاريخ وَ الجغرافيا وَ الآداب وَ الأمم . *** عَــــــــبد الـــــــعزيز الـــــــحــــاجّي ***
Comments