تحت المطر نص للمبدعة الشاعرة والأديبة التونسية نعيمة المديوني

تحت المطر التصق قلبي بقلبك يحتمي من حبّات لؤلئ انفرجت من بين طيّات السّماء..بلّلت شعري وأسدتله سنابل صفراء..مددتَ اليه يديْن داعبتا ما تناثر من خصلاته هنا فوق الجبين وهناك على الثّغر رسم صورة غرامي لك..ازددتَ منّي اقترابا..وازددتُ بك غراما..خفقاتي تعزف الحان هوايا..ثغرك يرسم أبيات بهايا.. امتزجت الآهات بحبّات المطر المتراقصات العابثات السّاحرات..فبتّ لا تسمع غير قلبيْن يعزفان ألحان الهوى يبثّها همسات بهاء..سعدت بك.. سعدت بي..انتشيْنا..نسيْنا ما انتشر حوْلنا..توقّف الزّمان بين نبضيْنا..استحال المُحال عبير مسك يتوغّل في روحيْنا..أنت أنا..أنا أنت..سكن الغرام مُقلتيْنا..جمّعت حبّات المطر أحلامنا وراودت الأيّام عساها تبْصم دوام الفرح حول روحيْنا..احتفت الأطيار بصور الهناء التي تراقصت متعانقة على شفا محبّتنا ..فغادرت أوكارها واعتلت أغصانها ترفرف بجناحيْها..تشهد ميلاد عهد الهوى وقّعه قلبان شهدا ميلاد النّجوم في السّماء..قلبي وقلبك قِبلة الوفاء..يرتاد محرابه من سكن الغرام فؤاده وازدانت أيّامه بالوصال..جاد الزّمان عليْنا بنسائم أضاءت الكون بنوره فانسحب يختال على حلم رسمناه على غيمات بيضاء ..نسجنا من بتلات النّوار رسائل عشق أرسلناها مع الحمام عبر الأمصار..تنثرها على قلوب جفّ نبض عطائها وهجر الغرام ديارها واستحال الدّفء فيها بردا وصقيلا..تطرب الدّيار وتستنير داخلها الأحلام..

يعود الهناء وترتسم البسمة من جديد على الشّفاه..دار سكنها الغرام لن تنطفئ أنوارها وقلب حلّ به الهيام لن يطول سهاده..فالغرام نور وضّاء..هبة من الرّحمان..يسكن الأوطان..يُزيح الأتراح وتُحلّ بحلوله الأفراح..ما أحلى الغرام اذا حلّ بين الدّيار..يزيده بهاء..ويعبّقه بعذب الشّذى ..فهو نور يحيل الظّلام أنوارا..يُبيح السّلام ويمنع الغرابان من احتلال الأوطان..عشقتك ياغرامي فآستحال ظلامي نورا وهّاجا وسكن فؤادي الهيامُ..عشقتك يا أنا فتزلزل الجفاف من تحت أقدامي و استوطن الهناء أيّامي..فتحت نوافذي على مدينة الأحلام..عبق وشذى حلّ بالمكان..بلابل وحساسين..حمام وعندليب..بالأجنحة رسمت هنائي..بمناقيرها عزفت غرامي..رذاذ المطر غسل شقائي..سنابل القمح جفّت في دلال..أصابعك الشّقية عزفت على العود ألحان انتصاري..رسمت شمس النّهار لوحةَ بديعة الألوان..وتهت فيك صحبة الأمان..استنار دربي وغدا سيراجا وهّاجا..تسلّقنا جبال الهناء..وصلنا قمم الصّفاء..ضممتني في حنان..دفنت رأسي بين خفقاتك ودثّرت قلبي بأوتارك..ما أحلى الغرام وخلّ يرسم بين المآقي إشعاع البهاء...خفق وآه والحبيب يغزل رداء ارتوائي ..يملأ قدح الأيّام خمرة ومدام..نترشّف ما طاب لنا..نثمل من الهوى..و الهوى نبض زلال..هذا الورديّ بسحره وهذا الأبيض بنقائه وذلك الأحمر يختال اختيالا..ساحر فتّان..دماء امتزجت..دموع انحسرت..شفاه ابتسمت..قلوب عشقت..تلك الأيّام نرجو تواليها..وتلك القلوب صفت.. نرجو تفانيها في نشر زهر القرنفل في كل مكان وطئت أرجلها ثراه..ما أحلى الغرام في قلوب هجرتها الأموات وسكنتها الأحياء..حياة دون غرام نقش على اللّحد لا يغني من جوع..زيّنوا قلوبكم بالبهاء يعتليها الصّفاء..اغنموا من الحبّ و الحنين..مادام في القلب نبض يحييه..سكّنوا الوفاء أوتاركم بالطّيب تزدان لياليكم.....

(نعيمه المديوني)