(قصة أخرى سقطت من جراب الليل)
نبتت وردة فريدة بركن قصيّ من الحديقة، و كبرت كما اتفق في منأى عن الممرّات المعبّدة...كانت أقرب الى البريّة منها إلى الزهور المدجّنة في الأصص...و كان عنقها يميل دائما ناحية مربّعات التّراب الشبيهة بصفحة دفتر كبير، و ترقب ما تنامى فيها من نبات و زهور...هكذا يبدو...لكنها في الحقيقة ترقب خطى حذاء يتنقّل بينها و يهِمّ بركنها و لا يصل...حتى تناهى إلى مسمعها ذات يوم صوت بلبل من أعلى شجرة التوت العجوز :
_لا تعشقي البستانيّ!..لن يشعر بك إلّا و هو يكنس بتلاتك مع الأوراق الجافة في الخريف!
_مغرور و صوتك نشاز !...هكذا صاحت بوجهه، ثمّ عادت ترعى ذكرى جميلة تغذيها بأحلام اليقظة، و بما جُبلت عليه من وفاء و نقاء...لم تنس يوما لفتة البستانيّ الذي حضاها و رعاها حتّى تماسكت، و هي التي كانت على شفا حفرة من العدم !...
و لمّا كان للبستانيّ عدد هائل من الزهور لا يفتأ يتنامى و يتجدد و يتنوّع ألوانا و أطيابا، أصبحت جولته تطول في أرجاء الحديقة و لا يصل ركن الوردة القصيّة إلّا متعبا، فتكتفي منه بالتحيّة، أو مجرّد النظر، و تقاوم الإنكسار، و تبيت على أمل اللقاء في الغد...
و ذات يوم استيقظت الوردة على غير عادتها، و قد فقدت نضارتها و أصاب الوهن قلبها...نظرت إلى البستانيّ و هو يتهادى في جولته المعتادة، يغازل زهراته و يغنّي لها، و خطواته تبطئ في القرب منها...
سقطت أوّل بتلاتها فجزعت !
نظرت إلى السّماء بما بقي لها من قوّة و تضرّعت خاشعة!...
مرّت بها نسمة فتمطّت تتوسّلها أن تحمل البتلات المتساقطة منها تباعا...أن تحملها إلى وجه البستانيّ تلثم خدّه للوداع الأخير !
Commentaires