الى صديقي الكاتب المبدع علي السوداني. الشاعر المهاجر الصعلوك نصيف الناصري من العراق
- asmourajaat2016
- Jun 16, 2019
- 3 min read

"1".
أن أتَسوَّلُ مِن الله بَعض الأيَّام وأطيل في أمدّ عُمْري،
معضلة صادمة لي وللغَيْر. عشْتُ حَياتي كَما رَغبْتُ ولا
التَفتّ وَتَملَّيْت في يَوم ما، الأرض الدهماء التي وُلِدْتُ
فيها. غادَر الملوك أقاليمهم وكانت بَيْني وَبَيْنهم بُقْعَة
معادية. لماذا التَوجّس مِن قوى الشَرّ وأنا لا أخْشى مَوْتي،
عند تمام نضجه؟ مِزَق مِن كَفَني رأيْتُ الريح تُبعْثرها،
وعظامي العارية في كُلّ آنٍ، يَسْتَخِّفُ بها الزَمَن العابس.
جئْتُ العالم بلا أثْقال سوى ثقل السأم، وَتَمدَّدْتُ في الحُفْرة
بسرْعة بَعْد سقوطي في الحُمَّى وهرمْتُ قَبل أن أنْطَقُ
بكلمة.
"2".
كُلّ ما يؤمن به البَشَر حول الإله والعالم الآخر والفردوس.
نشاط ذهني رائع. المعتوهون الخُرْق، يعتقدون أن هذا
الايمان حقيقي ويوصلهم الى الأشياء الذهنية التي
آمنوا فيها. في الجانب الآخر تقف العقول الكبيرة التي
تعي حقيقة وجودها الأليمة بالعالم. هذه العقول الجبَّارة
تحاولُ للتغلّب على الألم والوجود العابر للانسان ،
البحث عن اللذّة، ولحظة السرور الضئيلة.
اللذَّة والسرور الضئيل في حياتنا.
هما ما يوصلاننا الى الفردوس.
مليارات مِن الدود ذهبَت الى النفاية
غير مأسوف عليها.
يجب أن يحيا المرء حياته، بامتلاء كبير.
الخنوع. التقليد. الوظيفة الخ.
قبور مفتوحة للإمَّعين الذين يعتقدون أن مِن واجب
الإله إدخالهم الفردوس.
"3".
الله والعالم هُما الثَمرة اللامُنْقسمة لإرثنا الذي تَتَعثَّر بَينَ حُفَره
أحلامنا في الفَناء، وجهْدنا طوال التاريخ نِيلَ منه وَتَلاشى وَلَم
يَتَحقَّق الهَدف، لكنَّ المَرض الذي نَتَجنَّبه لمسايرته فَزعنا مِن
الخلود، ضَروري وعادل اذا شاءت الكَيْنونة صيانة الطَريق
الى الدَيْمومة. كَثيرون لقوا حَتْفهم بعدما يأسوا مِن تَجلِّي الله
لَهُم وَزَهدوا في انتظار ما تَسْتَحقّه البشرية ولم يَغْطسوا في
ذواتهم. ما فات وما يأتي شَيئان تَجْتَذبنا فيهما العلاقة الملوّثة
بالزَمَن، ويَنْبَغي للميت والحيّ التَخلَّص مِن فَزع زَواجر ما
يَتوهَّمانه. الله الذي نفرد له أجْمل الأعوام لمحاججته في حَجْبه
لذاته عنَّا. جدائل الشَمس المَفْلولة على جباهنا.
"4".
مومئاً الى النَدى في أنْصاب الفَجر الكَهل، استَثْمرُ لَحظة
موتي وانفَجر الى جانب الزرقة الأسْيانة للطَبيعة. البَقاء
والفَناء يَتوافقان في عمر مَن يَتَسنَّى له مقايضة حَياته
بامتلاء موته، والتَحوَّط لزَمَن الاسْتجْمام في القَبر، خيانة
للشَرط الانساني. نُخْبة عَظيمة نَشَّطت اقتصادها في كلّ
استثْمار للنعمى في النَهار. " نساء ورجال يَلْتَقون أبي
الهول في الحلم ". وَتَحفَّظَت على الذينَ يَغْزلون خيوط
الكَفن. البَرابرة استَقرَّوا وَزوَّجوا مَلائكتهم الى الشعوب
التي غَلبوها، لكنّهم في لاهوتهم دائم الجَذْوة يَغْمرهم
شعاع ياقوت السَكينة اذا التقوا حتوفهم وَهُم يشاركون
المَيْسورين تَجْريد الحَياة مِن بؤسها. الأحْلاف الدينية
في الماضي، وفرق المرتزقة التي تَجْتاز ترع الكَواكب
والذين ألَّفوا الأسْفار الإلهية بَعد نومهم في ليل القَيلولة.
اشتَرَكوا كلّهم ببغضهم لبعضهم البعض، والله في سخطه
عَليهم، كفَّ عَن لَجاجته مَعَ الخَليقة وطوى فراشه
وأسْعَف نفسه مِن مَخالب المسوخ.
"5".
قلَّلتُ إنْفاقي على ما يَتَجاذب الرَغْبة واشتَركْتُ مَع الذينَ
يَتَصوَّرون الله بوصفه شَيْخاً وقوراً عادلاً. الكفر والايمان
لَهما مَنْبع واحد في صَميم الالوهة، وَنحنُ البَشر التعساء
تَنْجم عَن خَسارتنا المتوقَّعة مِن خوف النزول الى الأرض
غير المَغْزوّة، رائحة أفْواه كَريهة. الشامان والمتَصوّف
والراهب، عَبروا نَصل حلمهم الفاحش وارتَكَبوا الحَماقة
بمطالبهم غير العادلة. سواهم أشْبَعوا أيَّامهم غبطة وَتَقبَّلوا
غبار وجودهم، والله في تَجْربته مَعهم، أقْصى ذاته فاستَحالوا
أصدقاء لَه في عزلته الضيَّقة. الرابية التي يَحْتلَّها الصعلوك
والكحولي والفَقير واللص في الفردوس. عَطية مِن لدن الله
الذي يَتَدرَّب وَيَتأهَّل لمصافحته كلّ واحد منهم بَعد موته.
"6".
أريدُ الإيمان بالله لتأْدية دوري في المَسْرَحية التي يَسْتَجْوبني
فيها بيوم الدَيْنونة، لكنّني أحتاج الى الخبرة والى الرَغْبة التي
أطيعهُ فيها. العَقائد خزَّانات فارغة ولا نَحْصل منها على أيّ
شيء، وَمعْنى الالوهة الذي بمقْتَضاه نَحْيا بشظف في الأرض
وَنموت. لا يلبَّي طموح الانسان في تَشبَّهه بما اخترعه رجال
الحكايات. الأفْضل للغَريب في سَيْره بالخلاء، أن لا يَرْتاب مِن
فراغ حَياته وَهوَ يودّع الأحباب الذين لَم يَحْصلوا على عَلاوة
في الالتجاء الى الله طوال أيَّامهم. الشَيْطان والمَلاك مِن صنع
الشيوخ القدماء، واختراعهما يَتَنافر مَعَ اللافَزع لَدى الشَخص
المُتأنَّي في غبطته بملاقاته لموته. كلّ فعل انتحار يَنْطوي على
شَرف ومجد عظيم، ونُخْبة نَبيلة في التاريخ حازَت هذا الجَلال
وَكرَّمَت نَفْسها، وَلَم تّتّذلَّل الى ما يَشين انسانيتها. العَجز عَن
مداواة الجرح النازف في الوجود، يلزمنا أن لا نسيء الى
الكَرامة البَشرية المُضحَّى بها منذ الأزل. يسْعف الله وهو يَبْرم
مغْزله نَفسه مِن سأم وَحْدته، والبَطش بإخوَتنا يشتَّت شَمْله مَعَ
ملائكته التي يَعوزها الفهم.
Comments