"1".
بُلِّغْتُ بالايْعاز ولَم أقْتَدِ بسواي مِن الذين أَذلَّهُم التَفْكير
بمفارَقة مُمْتَلكاتهم. إِذا حان وَقْت رَحيلي عَن العالم،
سأسْرع قَبل تَمكّن الدودة مِن التَداوي بجثَّتي. يَتَملَّكَني
الآن احْساس بالنقْمة على كُلِّ ما حاوَلْت امْتلاكه في
الماضي، ولا أريد أن أمْكث مَعَ الذين اخْتاروا تَوْسيع
بُقْعَة الغَرق الملْحيَّة. ضُربْتُ على قفاي أَكْثَر مِن مَرَّة
وَرُجِمْتُ بجَلاميد كَثيرة، وَلَم أَتَقَلَّبُ في نار السرور
لَحْظة واحدة. ما جَدْوى وجودي بَيْن المَرايا المُتَصدِّعة
للعالم؟ تَنْتَفي حاجَة المَيت الى المِذراة قَبل مَوته، وَلَن
يَجد في السهل المحاذي لقَبْره أَيَّة حزْمَة قَمح.
"2".
أَرْغَبُ شأني شأن الغَير مِن الفانين، التَخْفيف مِن بَلواي،
لكنَّ الأغْلال التي تُقيّد روحي ثَقيلة والحَيّ يَحْتاجُ الى الوفرة
في الصحّة التي تَكْفل له الحصول على الجَمر الأخضر
لاحترام الذات. أقْفَلْتُ باب بَيْتي وانْتَظَرْتُ مَجيء الريْشَة
المُتَدلِّية للحُمَّى، غَير أن تَوْبَتي مِن الفَزَع مِن ما يَتَلهَّف
الى سَلْبي الشَرارة المُلْتَهبة لوجودي بَيْن الأنْقاض. ألْجَأتني
الى التَوجِّس مِن كُلِّ شَيء في العالم. أن أَتأذَّى مِن عتمة
حاضري والقَرَف مِن رؤية وَجْهي الشاحب، يتَوجَّبُ عليَّ
للخَلاص مِن النفاية. غَض النَظَر عَن ما يَفْعَله سواي مِن
المُرْتابين. كُلّهم وبلا اسْتثْناء يَحْيون حَياة لا طائل مِنْها، وأنا
الذي تُغطّي فَرْوَة رأسي الغيوم المُرْخاة للكآبة. حافَظْتُ خلال
سَيْري طوال اللَّيل أن لا أَتَعَجَّل التَيقّن مِن خرافة خلودي.
"3".
وَصَلْتُ الآن الى السنِّ التي يُباعد المَرَض فيها بَيْني وَبَيْن
ما أرْغَبُ به. هَل لي أن أطْلب مِن الله امْكانية امْتلاكي
الحَرَكة مِن دون الاجْتراء على المَهابة العَظيمة للحظة دَنوّ
أجَلي؟ لَو كُنْتُ متُّ في عَهد الصبا، لِما أُتيْحَت لي فُرْصَة
حَرث الأرض المؤرقة. الأغْصان الطائشة لصَلاتي وأنا
أتَلقَّى نَبأ الفاجعة الأسْود لإيماني، تَغَيّرَت وَلا ثَبات لَها في
أكمام الشَجَرة العَليلة للسَنَوات. وَجَبَ عليَّ الآن بَعْدَما انْتهى
زَمَن حَياتي، أن لا أنْتَهك عَهْدي مَعَ بَلْوى العَيْش الهائل تَحْت
التراب.
نصيف الناصري
Comentarios