*ملاحظة: النص تتبعه الرؤية النقدية ..
النص إنتحار ..
يُثيرني خوفاً
يُقلقني ...
أنني لستُ أنا
وأن الأشياءَ لمْ تعدْ تبهرني
وأن اهتمامي لم يعد كما كان
ولا قلقي
ولا حتى غيرتي المجنونة
قد بتُّّ ثابتةً أكثر
يُكسيني ثوب اللامبالاة
لا تُزاحمني الأفكارَ
يتلبسني طوق الصمت
أعتلي ناصيةَ السكوت
شيءٌ مخيف أن أصل اللاشعور
فتتدالى من عقلي الأحلام
وتموت الرغبة
حتى في رشفة ماء
أهو العمر ؟
أم تكرار خيبات
أو هاجسٌ من رحمِ يأسٍ
لا شيء يمكن تصويبه
لا يُقهر ماكان نصيباً
يُكابدنا في عتوٍ
أقدارنا مرسومة
خطواتنا تجرنا عنوة
لذا انتبذتُ الركن
أكيل موازين السنين
وأنا على هاتة الأحزان
أشيع عمري
بلا كافور
ولا كفن ....
الرؤية النقدية
جاء النص منذ العنوان مبهما مضطربا بين اتخاذ القرار أو التردد
انتحار هل هو بمعناه المعهود من قتل للنفس وزهق الروح للخلاص أم هو فناء المشاعر والتسليم والرزح تحت اللامبالاة؟ هل هو اقرار من صاحب النص أنه لا يملك لنفسه أمرا؟ وهل يملك حق الانتحار خلاصا من معاناته؟
يثيرني يقلقني اختار المؤلف المضارع تأكيدا على الاستمرارية في الزمن فهي مشاعر متواصلة مسترسلة ماض وحاضر وحتى بالمستقبل القريب.
يثيرني/ يقلقني رغم تناقض المدلول في الكلمتين إلا أن المؤلف انزاح بمعناهما إلى المرادفة عوضا عن التطابق؛ ففعل الإثارة جاء سلبيا عندما صرح بالمثير (الخوف)
ما المقلق والمثير؟
يأتي الجواب ليرج المسلمات والمعهود
أن أنا لست أنا
يخيف المؤلف بل يثيره خوفا أي يفزعه ويقلقه أنه ليس هو أن أناه باتت مجهولة لديه. أي مصير هذا؟ من أنا؟ أين رحلت من نفسي؟
يسترسل في البحث عن أناه في التنقيب عن روحه من خلال استعراض ملامح ضياع أناه.
لم تعد الأشياء تبهره
فقد الاهتمام؛ الغيرة؛ أصبح ثابتا؛ لامبالي؛ توقف عن التفكير؛ يغرق في صمته؛ يعتلي ناصية السكوت؛ فقد الشعور؛ سقطت الأحلام؛ ماتت الرغبة في كل شيء؛
أمعن المؤلف في التنقيب بداخله لعله يتلمس بصيص نور يرجعه إلى الأنا؛ لعله يتلمس طرف خيط يوصله إلى ذاته المضمحلة؛
يتلبسني طوق الصمت
أعتلي ناصية السكوت
قمة الوجع والتسليم والاستسلام فما عاد الكلام يجدي بل حتى الصمت لم يعد كاف فتمادى أكثر وأمعن في الهرب فاعتلى وهو دليل الارتقاء والصعود والابحار بعيدا بعيدا إلى حيث لا خلاص ولا أمل في العودة (ناصية السكوت)
اعتلى حتى وصل ولكن إلى أين؟
وصل إلى اللاشعور
إلى الفراغ؛ أجوف خاو الوفاض لا شعور موت المشاعر وفناؤها
ويستمر في تأكيد هذا الاضمحلال
تتدلى من عقلي الأحلام
يعجز العقل عن مقاومة هذا الفراغ وهذا الفناء فتسقط الأحلام بل تتدلى تباعا في إشارة إلى فقد انسانيته بفقده مميزه كإنسان وهو العقل
توقف العقل عن الحلم فواقعه قتل كل أحلامه ويصرح بنهايتها ونهاية الرغبة ( تموت الرغبة)
تصريح بالموت ولكن من الذي مات
لازال المؤلف يتخبط يقاوم الموت يبحث عن دواعي التمسك بالحياة لم يمت بل ماتت الرغبة ولكنها تجاوزت الأشياء لتموت الرغبة في مبعث الحياة ( رشفة ماء) او لم يقل حل وعلا وجعلنا من الماء كل شيء حيا. إذن صاحب النص هنا فقد الرغبة في رشفة الماء في هذا النبع الذي سيرجع النبض ويروي العروق وينهي الجفاف جفاف الروح؛ جفاف المشاعر.
يبحث الكاتب عن أسباب لكل ما يحدث فتأتي أسئلته الاستنكارية
أ هو العمر؟ تكرار الخيبات؛ هاجس من رحم يأس
بحث بين مسلمات ومثيرات
العمر مسلمة من المسلمات فللحياة نهاية والتقدم في العمر يشعره باليأس والتسليم.
تكرار الخيبات واليأس مثيرات تدفع به إلى النأي عن الحياة والتفكير في الانتحار
تستمر نبرة اليأس: لا شيء يمكن تصويبه؛ لا يقهر ما كان نصيبا؛ هو القدر يكابدنا في عتو؛ خطوات تمرر عنوة
بين القدر المحتوم والقدر المرسوم بين ما كتب في اللوح المحفوظ وبين ما رسمه بيده وساهم به من خلال مسيرته بين الخيبات واليأس يأتي تسليم المؤلف.
فيعزي ما مر به وما عاناه ويعانيه إلى قدر لا يملك له ردا نصيبا لا يقهر قدر يكابده عنوة.
اختار ان تكون المصطلحات مغلقة قاسية جافة مجحفة في الغطرسة والسيطرة عتو؛ عنوة لا يملك لها ردا ولا رفضا
من شدة العتو والطوفان الذي جرف كل الأحلام وأمات كل المشاعر انتبذت الشاعرة ركنا حالة مخاض لعذراء شوهتها السنين وأثقلتها الأحزان
انتبذت لعل هاتفا يراودها أن هزي بجذع النخلة تتهاوى أثقالك وآلام السنين ولكن خاب الرجاء فالانتباذ لم يكن كافيا ولم يولد عيسى بل شيعت عثمانها دون مراسيم لجنازة مثلها مثل المنتحر الذي ينعت بالكفر فيفتقد حق الكافور والكفن
رغم محاولة الشاعرة أن يكون الانتحار لمآسيها وأحزانها وولادة حاضر سعيد من رحم ماض تعيس إلا أن عقلها وقلبها خذلاها فاستسلمت للانتحار في تحد صارخ للقدر رغم ايمانها بحتميته وعتوه وعنوته مقابل ضعفها ورغم ايمانها بأنها بانتحارها تفقد حق تشييع جنازتها وحق مراسم الدفن.
د. نادية الاحولي
14/2/2021
Comments