لا يمكن الحديث عن المجال الثقافي وعن تاريخ الحركة الثقافية بمدينة حمّام الأنف خصوصا وبغيرها من المدن والجهات التونسية عموما دون أن يفرض أحد الأسماء البارزة نفسه فرضا علينا ولا يمكن إعادة تشكيل مجريات الشأن الثقافي على مدى ما يزيد عن الأربعة عقود الماضية دون التعرّض إلى دور الأستاذ محمد المنصف الشطّي الذي يعتبر بحقّ من المؤسسين الفاعلين في الميدان الثقافي محليا وجهويا ووطنيا وحياته مجموعة هامّة من المحطّات الثقافية وغيرها قد يحتار المرء كيف تجشّم أعباءها رجل واحد وأدّاها على أحسن وجه وأفنى الجهد والوقت والصّحة في تأسيسها والمبادرة بتنشيطها لتتجذّر نهائيا في التاريخ الوطني. وسنستعرض بسرعة بعض المحطّات والمسؤوليات والمهمّات التي أنيطت بعهدته وقام بها على أحسن ما يرام وفي رأينا أن المجال ضيق جدّا للإتيان على بعضها فكيف بالتعرّض لها كلّها وهذا يستدعي ضرورة ملحّة يتجشّم كذلك أعباءها الثّقيلة ليسجّل لنا كتابيا من خلال عمل يؤلفه وينشره حول سيرته الذّاتية ومسيرته الثقافية التي تنصهر في خضم تاريخ البلاد الحديث بما عرفته من مراحل وأطوار ليكون شهادة حيّة تبقى على مرّ الأجيال يعرّفهم بتاريخ بلادهم وبإسهامات من سبقوهم من المؤسّسين والرّواد... ولد الأستاذ محمّد المنصف الشطّي في 12 أوت 1942 بمدينة حمّام الأنف العريقة ذات التاريخ المزدهي الممتدّ على ما يزيد عن الألفي سنة ومنجبة رجال أفذاذ وعلامات فارقة طبعت تاريخ البلاد السياسي والثقافي والفنّي... وبمدينة حمّام الأنف درس الابتدائي وأحرز بعدها على الباكالوريا ثمّ درس في كلية الآداب بتونس وأحرز على شهادة الأستاذية في الدّراسات الأدبية واللغوية العربية سنة 1967 وشغل وظائف عديدة فكان أستاذا بالتعليم الثانوي إلى حدّ سنة 1976 ثمّ مكلّفا بالتنشيط الثقافي والاجتماعي من 1976 إلى 1978 فرئيس مصلحة الألسكو باللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم من 1980 إلى 1983 ثمّ شغل خطة أوّل مندوب للثقافة بولاية بن عروس إلى جانفي 1985 فمدير نادي العين الرياضي والثقافي بالإمارات العربية المتحدة إلى سنة 1987 ثمّ أشرف على إدارة مهرجان قرطاج الدّولي ثلاث سنوات تباعا (1987-1989) ثمّ عاد إلى الحقل التربوي واشتغل مديرا لمعهد ابن رشيق بالزهراء (1990-1991) وبعدها التحق مجدّدا بوزارة الثقافة بصفته كاتبا عامّا للّجنة الثقافية الوطنية (1991-1992) ثمّ مديرا لإدارة التعاون الدّولي من سنة 1998 إلى سنة 2002 التى بلغ فيها سنّ التقاعد... وفي حالة طبيعية يكون المرء في حاجة إلى استراحة مستحقّة بعد نسق خيالي لا يعرف الهدوء ولا يخلد إلى راحة طبع عقودا عديدة من الزّمن وتقلّب في خضمّ كبير من المسؤوليات والنشاطات آلى على نفسه أن يقوم بها الأستاذ المنصف الشطّي ويخرجها في أحسن صورة وأقربها إلى الكمال المنشود لكن ّ شخصيته لم تجنح إلى هذا المصير الذي قد يترقّبه غيره بفارغ الصّبر ثمّ إنّ نفسيته التي جُبِلت على البذل والعطاء منذ كان صبيّا وجعلته ينخرط منذ نعومة أظفاره في الجمعيات والمنظمات ذات الصبغة الثقافية، كلّ هذا جعله يأنف من العزوف عن النشاط ويواصل المسيرة رغم بلوغه سنّ التقاعد فيتولّى إدارة مهرجان الحمّامات الدّولي ومركزها الثقافي لسنوات متتابعة ليكون أبرز وجه على الإطلاق عرفته المهرجانات الثقافية الكبرى نظرا لإدارته كما أسلفنا مهرجان قرطاج الدّولي وخاصّة لتأسيسه مهرجان بوقرنين وإدارته لخمس سنوات متتالية 1980-1984 ودوره الحاسم في بناء مسرح الهواء الطلق ببوقرنين والكنسارفاتوار وقاعة بلدية حمّام الشط عندما ترأس أول مجلس بلدي لهذه الضاحية من 1993 إلى 2000 وجعل هذه البلدة تتميز بتجهيزاتها وبنيتها وجمالها ونظافة شوارعها. إن الأستاذ محمّد المنصف الشطّي رجل كألف كان يمكن أن يضطلع بالمسؤوليات التي أنيطت بعهدته عشرات المسؤولين لكنّه كان دائما متطوّعا ودؤوبا في العمل يطمح إلى الأفضل ولا تخيفه المهمّات الصّعبة والشّاقة ولم يكن يجري وراء هذه المسؤوليات بل هي التي كانت تُقْتَرَح عليه بإلحاح وفي أحيان كثيرة تفرض عليه فرضا وهو مع ذلك على قدر كبير من الجرأة والاستقلالية والتّمسّك بحقّه في التسيير والقرار وأكثر من مرّة كان يغلق أبواب المسؤوليات ويقدّم استقالته دون وجل عندما تستحيل ظروف العمل وتعوقها القرارات السياسية أو الحسابات الشخصية. وهو طيلة هذه العقود لم يجن ربحا ماديّا كبيرا ولم بلهث وراء المنفعية والمصلحية بل كان ديدنه خدمة البلاد والعباد بكلّ تفان ولمع اسمه تبعا لذلك في قطاعات متعددة يحوم مجملها حول الحقل التربوي والرياضي والثقافي والعمل البلدي والجمعياتي كذلك. ومقابل كل تلك الإنجازات كان يريحه رضاء ضميره واحترام الناس له ولما قدّم لهم من خدمات ويكفيه فخرا ما يكنّه له المواطنون والمثقفون من ٱحترام شديد ويكفيه سؤددا التصاق ٱسمه نهائيا بمدينة حمّام الأنف وبالتاريخ الثّقافي للبلاد على المستوى الجهوي خصوصا والمستوى الوطني عموما. وهذا التعلّق بالعمل الثقافي يجعل منه كائنا ثقافيا آمن بدور الإبداع في رقيّ الانسان وبأهمية الثقافة في ٱزدهار الشعوب وتحضّرها.
حمّام الأنف 08 جانفي 2015
Comments