الطليعة الأدبية في تونس
ورقة من تاريخ الإبداع والتفكير والتنظير الثقافي والأدبي التونسي الحقيقي الحديث
*الإرهاصات:
*إن ظهور الحراك اليساري الجديد في مستهل الستينات وتأثيره حتى على الحزب الحاكم الذي تبنى الرمزية الاشتراكية بعد تغيير عنوانه في مؤتمره الذي حوّل تسميته إلى الحزب الاشتراكي الدستوري. كان أحد محركات ظهور وبروز الحراك التحديثي في الحياة الأدبية والفكريّة ومنها بدايات وإرهاصات الطليعة الأدبية في تونس على غرار تأثيرات وافدة.
وكانت أولى البوادر التحديثية تختص في الشكل والوعاء المواكب للتحولات التي تمرّ بها البلاد والتي ميزتها فترة اشتراكية بن صالح وتأثيراتها على مستوى التفكير الذي تحوّل من الفردي نحو التشارك الجمعي.
هذه التأثيرات سحبت أوّل ورقاتها الفكرية متجهة نحو الاستغناء عن البطل الواحد الأحد فالفاعل جمعيّ وليس فردي في بناء الأمم والدول. ومن نتائج التغيرات على مستوى الموروث من عصر الاستعمار من عادات طواها الزمن الحديث ليصعد نحو أفق آخر يزيحها برمتها عن كاهل الناس حتى رأينا العائلة تشترك في التشاور حول مصيرها الجمعي اليومي والمستقبلي. وهذا ما كان له مؤثر خاص في التفات المحدثين من الأدباء للتوجه نحو البحث عن الشكل والوعاء المعاصر المتطور المواكب للمتغيرات كلها. والقطع مع عبادة الموروث بقداسة عمياء كأنه القرآن الذي لا يمسّ ولا يناقش ولا يتغير لواكب هموم ومشاغل الوطن بما فيه ومن فيه.
ولأن المتغيرات كانت تتخذ نسقا بطيئا فإن المتغيرات البحثية الأدبية الطليعية كانت تنتهج نسقا بطيئا أيضا حتى أنها كانت تتأخر مقارنة بنسق المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الهيكلية في صلب إدارة الشأن الوطني الذي تسارع نسقه مقارنة بنسق تطور البرنامج الطليعي الأدبي وحتى الثقافي.
وأهمّ عناصر المراوحة التي أسهمت في بطئ المسيرة عدى الاهتمام المركز حول تطور الوضع الاجتماعي والاقتصادي. كان اهتمام وتركيز العنصر الموجه والمرايا المعرية الكاشفة والحافرة في عمق الظاهرة وهي آلية النقد التي صرفت نظرها للمعنى وتغافلت عن البحث في الأشكال المقترحة من الموجة الجديدة. حتى أنه غلب عليه الانطباعات التي ارتبطت بعلاقة الناقد بالمبدع الأدبي فكانت في غالبيتها ذاتية لا موضوعية. مع إضافة تأثيرات موجة النزارية والبياتية واحتفاظ غالبية بعمودها حتى غلب الوزن التقليدي محاولات التحديث فغيبها عن الأنظار.
إذن فإن هذه المرحلة كانت تتميز بغالبية التقليد والمسايرة للظواهر الوافدة حتى فقدت الاستقلالية المطلوبة لإنتاج نصّ تونسي طليعي معاصر نموذجي متميز. وإن كانت المحاولات الجادة القليلة تبرز من حين لآخر في أشكال بحثية تمثل بوادر جادة.
*الانطلاقة:
- الهويّة الطليعيّة *لا شرقية ولا غربية*
- أو الطريق الثالثة بين الغرب والشرق -
بقينا ننتظر حتى مستهلّ السبعينات لنقرأ النصّ الطليعي 'لحركة الطليعة الأدبيّة التونسيّة' الحقيقي المستند إلى رؤية متكاملة شاملة لتنظير نحو برنامج لثقافة وطنية ذات خصوصية تونسيّة. حيث مع تطورات الأحداث والزمن ومؤثراته تكونت اللبنة الصلبة لهذه الحركة وتطورت إلى شكل من أشكال النضال الثقافي الأدبي الوطني حيث أصبحت المميز الرئيسي. بعد أن مرّت بفترة من المحاولات للإجابة على كلّ الأسئلة المطروحة المحرجة والغير محرجة الثورية والتقليدية بقصد بلوغ أرضيّة حقيقية للتنظير الفكري لمؤسسة الطليعة الأدبية التونسيّة بخصوصياتها وشخصيتها المستقلة من جهة والمنخرطة صلب واقع الحراك الفكري والثقافي والأدبي العربي والإنساني سوية.
فأصدرت البيانات المنظرة أو المساندة للمنخرطين في الحركة والذين كانوا يتعرضون لأشكال عدة من التضييق وحتى التشويه من طرف زمرة المحافظين اللذين صبوا وكالوا أنواعا وسيلا من الحبر الطوفاني لمحاربة هذا الحراك وهذه الحركة. ومن خلال هذه المعارك برزت التسمية وكرست كحركة الطليعة الأدبيّة التونسية.
خصوصا إذا ما عرفنا أنّ تأثيرات الحراك الفكري السياسي كان له عميق الأثر في صياغة مشروع التجربة الحداثية الطليعية بينما كرّس المحافظون جلّ وكلّ همهم للحفاظ على المؤسسة الحاكمة ومطلقاتها التي رسمت سياستها الثقافية في البلاد. حتى أنّ بعض الطليعيين سيجعل من الحركة (قضية ثورة في وجه الامبريالية الثقافية...وعلى الرجعيّة الفكريّة والسلفيّة النكراء) 'وقضيّة نهضة فكريّة أدبيّة'. ومن شعاراتها التي تمثّل عناوين ومحاورها المركزية على مستوى التنظير نعدد:
- الأصالة 'عموديّة لا أفقيّة مجردة'
- مكانة الشكل وعلاقته بالواقع وبالمضامين
- البعد الدلالي للشكل
- التجاوز "الطلائعي من تجاوز نفسه"
- الأدب: ضدّ 'اليدب' مع 'الكتابة'
- القارئ: 'بالقراءة تكون الكتابة'
- اللغة: 'المجد للغة الحياة'
- القصة: "الصورة مصفرة لتركيب المجتمع 'لا تمشي في ظلّ غيرك'
- الشعر: مسيرة احتجاج مطالبة بالحريّة = مفهوم الشعر والشاعر + موسيقى الشعر أو 'تفعيلة الحياة' = غير العمودي والحرّ أو القصيدة المضادة = (شكل هذا العصر مشاكل هذا العصر)
- المسرح ليس معبد للنسيان
- النقد تونسي أو لا يكون
*أسماء نماذج من رواد وأعلام الحركة:
- محمد بن صالح بن عمر
- الطاهر الهمامي
- المختار اللغماني
- محمد المصمولي
- عزالدين المداني
- محمد الحبيب الزناد
- أحمد القديدي
- سمير العيادي
-البشير بن سلامة
- أحمد حاذق العرف
- فضيلة الشابي
- ابراهيم بن مراد
- أحمد ممو
هذه الكوكبة النموذجية لحركة الطليعة الأدبية التونسيّة هي مزيج بين المبدع والناقد والمنظر وليعذرنا من لم نأتي على ذكر اسمه فالمبتغى من ذكر هذه القائمة للتدليل وليس لحصر وإحصاء القائمة التي من الطول الشيء الذي يمكن أن تطلعوا عليه من خلال أهم مراجع هذا المقال وهو كتاب الأستاذ الراحل الطاهر الهمامي (حركة الطليعة الأدبيّة في تونس 1968/1972).
*تدوين وتجميع وترتيب دراسي. المختار المختاري الزاراتي*
- تونس 23/01/2018
Comments