يا الله !
خلقتني كمجرّة ..
شاسعة و ممتدّة ..
في فراغي ملايين الأقمار ..
وملايين ملايين النّجوم ..
لكنّ ثقبا أسود
كفوهة عدم ..
يصطاد ألقي ..
يبتلع كلّ النّور ..
ويُلْقي نجومي
خارج كلّ التّخوم..
يا الله !
خلقتني صفصافة..
أذرعي في المدى ممتدّة ..
وقلبي رحيم .
مخابئي كثيرة .
وفيئي واسع وعظيم ..
لكنّ الشّمس تأكل رأسي
كجائع متضوّر ..
تحرق بلا شفقة جسدي ..
فتصيبني بدوار أبديّ
وتُهديني الصّداع الأليم ..
يا الله !
خلقتني هكذا
نخلة تتفتّح في الأعالي ..
تنطلق نحو السّماء كالشّرارة ..
يسكر النّاس من عصارة روحها ..
ويُحدّفونها دوما بالحجارة ..
قلبها شهيّ كقطعة حلوى ..
نديّ ككون وشّحه الثّلج خماره ..
تقتات ملح هذه الأرض ..
وتنهل من عطش الصّحارى ..
يا الله !
خلقتني هكذا
نغمة حائرة مرتدّة
غادرت يوما نوتتها
وخيّرت النّأي والبعاد ..
تركت في جسد اللحن جرحا
لم تفلح فيه أدوية
ولم يُفِدْ معه الضِّماد ..
فماتت الأغنية شوقا ..
وماتت النّغمة حزنا ..
وأعلن العازف طقوس الحداد ..
يا الله !
خلقتني هكذا
لغة يسكنها الجمال والإثارة ..
تُحييها عذوبة كلمة ..
وتميتها فظاظة عبارة ..
خلقتني هكذا
صورة يصنعها الخيال ..
تتورّد حُبّا وعشقا ..
وتزداد حُسنا ونضارة ..
وإذا أُهْمِلَتْ ذَوَتْ
وغدت جامدة جمود الحجارة ..
يا الله !
خلقتني هكذا
لأرب أظنُّه كبيرا ..
خلقتني هكذا
فحمدا ياربّ ..
حمدا كثيرا...
ربيعة محمد مارس/ تونس
Comments