الذّئب بريء
أنا من سفحتني على أعتابكم
أنا من جعلتني وليمة على الموائد في زمن أعجف
أبي ليس من سراة القوم
لم يخلّف حقولا من الحنطة
ولا قصورا من الزّمرد والياقوت
لم يترك مملكة ولم يخلّف صولجانا
لم يملك أتباعا ينصرونه ولا فرسانا
كنتُ جيشه الوحيد
عصاته الّتي يتوكّأ عليها كلّما أراد النهوض من فراش المرض
كنت مرهم جراحه...
منديلا يحتضن لآلئ عينيه...
وقصيدة تنعش أفراحه..
أبي ليس من سراة القوم
لكنّه كان نبيّ قلبي
_وليسامحني الأنبياء _
كنتُ أحبُّ أبي
وأرى فيه صبر الأنبياء
تحمّل أذى جسمه بصبر أيّوب
كان صدري ينشقّ لسعاله..
وكان ثابتا كصفصاف تهزّه الريح هزّا ولا يسقط
ذاكرة اللّيل تحتفظ بصوته المناجي المستغفر تقطعه نوبات السّعال..
وذاكرتي تحفظ بوضوح عباراته المستغفرة
وأوجاعه المسترسلة..
أبي كان غريبا في قومه..
صنع فلكه بلوح من صبر
وكنت أقرأ آيات صبره
أحفظها بذاكرة طفل يواعد الحياة
أربّت على قلبه وأترك له قلبي يؤنسه ..
وعندما اكتمل الفلك
غادر دون أن يعلمني
لعلّه لم يشأ أن يرى دموعي المتوسّلة..
غادر ..
وأخذ معه قلبي يؤنسه
فما كان له من أنيس غيره..
أبي كان نبيّ قلبي
_وليعذرني الأنبياء _
كان غريبا كالأنبياء
كان يقرأ أحلامي
فيخشى عليها ويخشى عليّ
أبي لا يملك إلّا صبره الدّامي
وقلبيَ الدّافئ
وأنا كلّ ثروته وكلّ ميراثه
أنا سفحتني على أعتابكم كي تكبروا
أنا جعلتني موطئ نعالكم كي تعتلوا
أنا جعلتني وليمة على موائدكم كي تشبعوا
كبرتم..
اعتليتم..
لكن.....
الذئب بريء
وأنتم أبرياء من دمي..
زمني آلهة شبقة امتصّت دمي
وعبث بي كما عبثتْ بي
كلّ القلوب خذلتني..
وكلّ الدروب خانتني بعدك يا أبي
____________________
/ تونس )
26 جانفي 2022
Comments