وَجْهكِ المَعْمور بالنَرْجس والذَهب بَعد الوَليمة.
"1".
تَرْفوْ فَرْدة جوراب وَتَشْرَب مُغْتاظة الفودكا في المَطْبَخ.
لا تَسْتاء مِن تَقدّمها في العمر، وَتَمْنَعني مِن صبغ شعر
رَأْسي. في نبرات صوتها التي تَتغيَّر بَيْنَ الحين والحين،
رَغَبات في الحاق الضَرَر بالعشّاق الذين نجوا.
أنا رَجْلكِ وحلْيتكِ المُضادة، أقولُ لَها، لكنّها تَرْزْح
في تَقلّباتها وتغازل الغيرة وأشياء تافهة خاصَّة بالنساء .
أيّ الفَضائل أختار والغَيظ يُنفَّرني مِن الصَلاة التي أغواها القبر؟
للعمر أكثر مِن دَوْرة جَمال، لكنَّنا نَنبذ شَعائرنا في
الحُبّ ولا نَتَورَّع عَن التَلطّخ بالأدناس. تَشْربُ الفودكا
وتُغنَّي غير مُبالية، وأنا أطْمَح شأني شَأن الغَير في العَوَدة
الى أيَّام الشَباب.
"2".
تَقصُّ شَعْر رَأسي في صَيف الحمَّام، وتدنْدنُ بأغنية لمادونا،
أفْهم مِنْها القَليل. أنظرُ الى الجزر والأقمار في نَهْدَيها وأتَذكَّرُ،
المرأة المُتردَّية التي ولَغَ بها العَجائز الأثرياء.
زَوْجتي رَحيمة بي وبالأوانس اللواتي أحْبَبْتهنَّ في الماضي وَغَرقنَ.
-:"سَتحْيا حَياة شجاعة وتَحلمُ بالافلات مِن أغلال التي تُريدكَ ناطور
المَنْزل الزَوجي". أقولُ لنفْسي وأنا أداعبُ غيم المَراكب في صَدْرها،
وأعْصر فجوري. البوهيمية مُزنَّرة بخَطيئتني التي انْخَسَفت بيّ،
لكنّي أغفل دائماً عَن حُلم تفحَّص الهَيْكل العَظْمي لانخيدوانا التي
أحْبَبْتها في زَمن الحَرب واستقلَّت الفراق. الشَرط بَيْننا، ابقاء الجرح
بلا نَسيم أو ضَماد، والحُبّ يُحرّر العاشق مِن سَهره بَيْن الرائحة
المَفْجوعة لذكرى المَحبوب.
"3".
يَكْتَظ الرَبيع بقَبائل نجوم، ويطيل زَمنه بفراء فخذيكِ،
والذَهَب في وَميضه المُرْعب. يُبدّد الرَأفة الجمَّة للشَجرة
التي تُفوِّت عَليكِ القَيْلولة المُضَرَّجة بعَسل الماوَراء.
شَقاء في الحُبّ، وشَقاء في الموت. تَأخرتُ عَليكِ وكفَّت
الساعات عَن المزاح، وأنتِ كلّكِ لي القَبر والفردوس.
تَصدَّعتُ وتَحمَّلتُ العَذاب في أرض، وطَني وَصَعدتُ
كَوْكَبكِ الذي يَخْلو مِن أنْقاض الكفّاز وَكنتِ دائماً القنديل
والمَأوى. حجارة قاحلة ومغلقة ارتادها العشَّاق قَبْلي،
وكُنتُ أخْشى الغَرق في بحيرة الأيَّام المُتشنّجة. بكِ
تَطهّرتُ مِن الكَرب وانفَجَرت بي الأغنية الصدَّاحة في
ليل الحطام. يلزمني الآن أن أغفو وأغْتَبط بَيْنَ النعناع
والفجر البرَّاق، لزهرة حُبّكِ التي تَتزاحَم عَليها فضَّة
السَنوات.
"4".
بداية الحُبّ هو ما نَنْتَخبه في صَرامتنا مَعَ الأيَّام،
والافراط بدلال المَحْبوب. الهامٌ يُوسّعُ الضفّة
التي عَبَرها العشَّاق الأفذاذ في التاريخ.
أخوضُ بمسْتنقع مُغطَّى بشَيخوخة الحاضر،
وانتظر مرور نَيْزك، أثملُ بحَديقته معَ مُجنَّدين
قَتْلى، لكن ما يغيظني ويفجعني. نسيان حَبيبتي
للحَصافة وافراغ نفسها مِن الهرمون المُتجنَّي
للحُبّ. أنا رَجلٌ شقي وَكنتُ في الماضي كحولياً،
أريدُ أن أتَخلَّص مِن التَناقضات في حَياتي وأغفر
للمرأة التي أحبّها تعلّقها بي وحَشْمتها. أعوامي
مُتَوازنة مَعَ البَذْرة التي أضعْتها في أرض وَطني،
وتخيَّلي للفراغ الهائل في المُسْتَقبل. يَعْني لي أن
أديم الشُعل الكَريمة فوق البَتلة المأْتمية لنهار كلّ
عاشقة. حَبيبتي عفريت يَتَطوَّع لايصال الغَرْقى
الى عَوالمهم التي انفصلوا عَنْها بارادتهم، وفي
مَحبّتها المضْطَرمة لي. لا يتاح لي أن أغنَّي موتي
وَحيداً في البَراري.
في تَعمّدي التَخْفيف مِن وطأة العَيش المُشْتَرَك،
للعاطفة، أغلق الباب على الأشجار الاستوائية
الدَمع وأتخذ الأعذار مَعْرفة جَوْهرية. هيَ تَنْثر
والمَظالم في الضَباب البَريء لحَياتي، وَدمعَتها
الزَوجية. غير مَعْصومة عَن النَكد في المُشْتركات
أقرأ عَليها قَصيدة حُبّ وأشيد بحسنها، لكنّها
تخاصم العَوائل الكَبيرة للمُحبّين الذينَ لا يَعرفون،
أينَ مَسْقط رأس اليَنبوع الذي غَرَقوا فيه؟
"5".
الاقتراب مِن المَرض ومُزاحمة الوَرْدة على الشكاية
مِن ثَبات الزَمن، لا يَعْني لي الاذعان الى ما يَطْلبه
منِّي العَجائز في تَشبَّثهم بالأنقاض. مخدرات. اسبرين
كورتيزون. خمور وأنْبذة. استَعدتُ مَعكِ اللحظة التي
يَبْدأ فيها المُسْتَقبل انقباضه مِن الأيَّام التي أهْملْناها،
وشارَكْتكِ الرقود على الأسرَّة المُريعة والتَداوي بكلّ
العلاجات. هَل ما تَزالينَ تَحْلمين برمي الثمار المُملَّحة
في صَيدلية البَيت الى الصيَّادين الذينَ يَتذمَّرون بالثغور؟
أعرفُ انكِ تَجاوَزتِ عَهد الشَباب، وتعانين مِن تأخر
المُعْجزة، لكنَّ ما عشْناه في الماضي ليْس أقلّ لَطافة
مِن الحاضر. أنا مثلكِ لي لَحْظتي المُرْتجفة، وأتعثر في
العَتبة الشَرسة للباب المُغلق. الاختصاصيون يُصرّحون،
عدم التفكير بمرآة السونار الفَريدة. يَتَطلَّب البُعد عَن
نَكَد الملايين التي تُدنّس الشَمس في رياض المَدينة.
عطر أزرق مَسْكوب في خصلات شَعركِ الفَسيحة، يَمْنح
العافية للموتى، والبَذْرة تَنْجب أختها وتَتخلَّى عَن الحَوادث
القانطة في اليوم. نَحْتاج يا صَديقتي الى السَير في بروق
الايروتيكا. النوافذ في العالم تُشاكس أنسجتها وتمطَّط
اللحظة. حَياتي وحَياتكِ لحظة متأرْجحة وَتمرّ هَرمة قَبْل
انفجارها.
"6".
مُغاير كلّ شَيء بَيْني وَبَينكِ، إلاَّ طمأنينة الرقود على
النَجيل في الأوقات الالزامية للجنس. احْساسكِ الخارق
بسرعة الزَمن وأنْتِ لا تَمْتَلكينَ إلاَّ الذكرى لِمَن يَتوافدون
ويغيّرون الندوب في المَرايا، يَسْلبكِ التَمعَّن بالسنبلة التي
تَسْتَرخي ولا تَتغطَّى في يأسها مِن اللاشَيء. للنجوم في
بَلدي وَبَلدكِ صَدى الثَمرة التي تَتهاوى بلا زَمن. تَصْنَعين
المُرَبَّى في أصائل الصَيف وتَتألَّمينَ في الفراغ، لكنَّ
الشَراب مَعكِ وَدعْوة الأصْدقاء وَوَجْهكِ المَعْمور بالنَرْجس
والذَهب بَعد الوَليمة. يَجْعلكِ تنسين الارشادات الحَمْقاء لكلّ
طَبيب. لوثَّتُ مَعكِ أغطية مَحْظوظة في السَرير، وَكنتِ
تَميلينَ عَن الخَزائن التي تَرنُّ فيها النَدامات وتطْلقينَ السَهم
في الحمَّام. ثقل الزخَّات برغبتكِ، يَطيّرُ الحَمام العاشق في
الأفق، وأحْضنكِ جائعة الى الكَفن المَتَمايل بالفردوس.
سَعَيْنا مَعاً طوال السَنوات الى الكَمال، وأدركنا الجَنين قبل أن
يَنْزف عصارات قطنه. الشَجَرة التي فَحَصْنا في صَمْتها
الفضَّة الباطنية للطارىء والمُنفصل عنَّا، تَناوَبت فيها الشَمس
على اعطاء المورفين الى الموتى في دواخلنا.
"7".
الْحاح مريع أُجبرتُ فيه على الوفاق مَعَّ زَمنكِ.
كلّ شرارة تَرفُّ في ذاتي، صَلْية خائرة مِن
اللحْظة الرَحبة للقَلق، والواقعي في العمر يَتغضَّنُ
وتَنْفَخهُ السنبلة في حَضْنها لموتها. أعبرُ مَعكِ
قنطرة مَرْبوطة الى جانب باب مزعزع. وَراء
الباب ُتفكَّرين في الكهولة، وتعطَّرين خوفكِ
بملاحقة مَراكب تَذوب في الشَمس. حينَ تعرَّفتُ
اليكِ أولّ مرَّة، كُنتِ تَطْلينَ عنقكِ بأسرار تَتزايد
كلّ يوم، ولا أرى ثَمرتها المصونة. هَل تشكَين في
خلودكِ بالظَهيرة الكَبيرة معَ الذينَ يَسْتنفدون كلّ
شيء، مِن أجل تَملَّكهم لما طمحوا اليه في ما وَراء
الوجود؟ كُنتِ تضفين على حَياتي المُغطاة باللامكان
واللازمان، مزحة البَحث عَن الكَمال، وتزيلين عَن
حلمي الحبال والخَرابات المُذهَّبة. كُنْتُ أبكي وأنا
أغطسُ في استجدائي منكِ أن لا تهجرينني. حائرة
الآنَ تَهزّين القضبان السود لقَبري، ورضاب الرَغْبة
يُنقّط مِن رَبيع عافيتكِ في الأفياء الحارَّة للحُبِّ.
"8".
مَحْمومةٌ وَتَرْغَبُ العَيش في زَمَن بلا لآلىء أو قَنابل.
وجهة نَظرها أحْياناً تُنمّي العدوانية، وَيَغيبُ لَديْها في
الحاضر والمُسْتَقْبل الادراك.
تَتَضاعفُ رَغبتها في ارتكاب جناية وَتَعْتَقد أن صَمتي
يُسَبِّب لَها الهَلاك، وَيُدمّر كلّ امكانية في التَخلّي
عَن ما هيَ فيه. أنا أيْضاً رَغبت مثلها العَيش في زَمَن آخر،
لكنّي تَزَعْزَعْت حين عَبَرت قَبْلي النَهر، طيور مِن دون أجْنحة.
الآخرون تَرَكوا مَنازلهم وَصَعدوا المَراكب.
لا الغوَّاص اهْتَدى اليهم، ولا الله الذي انْحَشَر مَعهم
في الرحلة، عَرَفَ مَصائرهم. خطَّافات تَتَزاحم في بلاد السمّ
وَتَنْزَلق بمهابة على القبور.
أتَنفَّسُ ارث العائلة فَيَنْبت الثَلج وَتَهْتَزّ حَياتي.
ردٌّ غير متوقع أتَلقَّاه منها، وَهيَ تسْقي بَهائم
المَرض في الحَديقة. الشَيء الذي لا يطاق،
افْراطها في عدّ الأيَّام التي عاشتها معي برفقة
لحظات السرور الضيّقة. أعطيتها حمّى مُبَلَّلَة
وَذَهَبَت الى أمْكنة النوم، تُحاولُ الوصول الى الدَمْعَة.
Comments