* خَارِجٌ مِنْ جِلْبَابِ الأَبِ
دَاخِلٌ فِي جُبَّةِ القُطْبِ *
ــ الشّاعِرُ( أبو القاسم الشّابّيّ ) سَائِحٌ يَتَرَجَّلُ فِي " نادي الشّعر "
( اتّحـاد الكتّـاب التّونـسيّين )
كان لأعضا ء نادي الشّعر ( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين ) وَ أحبّا ئه عامّةً موْعد ، مسا ء يوم الجمعة المُنقضي ( 31 ماي 2019 ) ، مع المُسامرة الرّمضانيّة الرّابعة التي جا ء تْ تحْتَ عنوان ( أبو القاسم الشّابّيّ وَ الصّوفيّة ) . وَ إذْ تكفّل الشّاعر ( سوف عبيد ) منذ أسابيع بإعداد وَرقة في هذا الغرض ، فقد حضر إلى النّادي مصحوبا بالدّكتورة ( فاطمة بن محمود ) حفيدة المرحوم ( محمّد المُختار بن محمُود ) الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع ( أبي القاسم الشّابّي ) حتّى أنّهما كانا يتبدلان الرّسا ئل في شتّى المُناسبات . وَ قد جُمعتْ هذه الرّسا ئل وَ نُشرتْ في كتاب بعنوان ( عَلَمٌ وَ شاعرٌ ) بإعداد وَ تحقيق ( هشام بن محمود ) ، وَ ذلك عن دار نشر ( محمّد علي الحامّي ) في طبعة أولى سنة 2012 ...
وَ إثر تقديم ضيْفيْ هذه المُسامرة الرّمضانيّة الأخيرة في شهر رمضان المُبارَك ، تناول الكلمةَ الشّاعر ( سوف عبيد ) فسجّل منذ البداية أنّ التّصوّف حاضر بجلا ء في ممارسة ( أبي القاسم الشّابّيّ ) وَ في كتابته معًا ، وَ خاصّةً فِي نصوصه النّثريّة التي ضمّها ديوانه ( أغاني الحياة ) . وَ فسّر المُحاضرُ نُزوع الشّابّيّ الصّوفيّ هذا بتأثير قرا ءَ اته في التّراث الرّوحيّ العربيّ وَ الإنسانيّ ، وَ بتأثيرٍ مُباشرٍ من أبيه الذي كان قد عاد من دراسته في الأزهر بمصر مُنتهجا في حياته اليوميّة نهج الصّوفيّين في التّهجّد وَ التّقشّف ، ممّا جعل بعضا من معارفه وَ أصدقا ئه يلتفّون حوله في ما يُشبه الحلقة الصّوفيّة التي يجلس فيها المُريدون لتلقّي النّفحات الرّوحيّة من شيخهم...
كما استند المُحاضر في إثبات علاقة الشّابّيّ بالتّصوّف إلى شهادة زميلٍ له لازمه منذ الطّفولة حتّى مرحلة الشّباب ، وَ نعني الأديب ( إبراهيم بُو رُقعة ) الذي كان هو نفسه منخرطا في هذا التّيّار الرّوحيّ بالممارسة وَ بالكتابة . فالتّصوّف ، كما اسنْتجَ المُسامِرُ ( سوف عبيد ) ، كان شا ئعا بيْن أدباء تلك الفترة وَ أعلامها ، وَ منهم الأديب ( سالم بن احميدة ) الذي كان يقول بِ ( وِحْدة الوجود ) ، وَ كذلك الأديب ( محمّد البشروش ) الذي تخترق كتاباته ، حسب المُحاضر ( سوف عبيد ) أنفاسٌ صوفيّة. بل إنّ الشّاعر المصريّ ( زكيّ أبو شادي ) صديق الشّابّيّ ، لم تكن قصا ئده بِمنْأى عن هذه النّفحات الصّوفيّة في رأْي المُحاضر ...
وَ إذْ تخلّص ( سوف عبيد ) إلى النّظر مُباشرة في قصا ئد ديوان الشّابيّ ( أغاني الحياة ) وَ نُصوصه النّثريّة فقد وجد في نصّ ( أيّتها النّفس ) دليلا على نزوع الشّابّيّ الصّوفيّ ، كما أنّ القصيدة المَوزونة التي عنوانها ( يا موْت ) وَ التي قالها الشّابّيّ في رثا ء أبيه لمْ تخلُ من مقولات وَ معان وَ طقوس صوفيّة ، بلْ إنّ قصيدةَ ( إرادة الحياة ) نفسها
لمْ تُغادرْها الأجوا ء الرّوحيّة الصّوفيّة ، لهذا تعمّد المُحاضر إثبات ذلك من خلال التّوقّف عند أكثر من بيت فيها بالشّرح وَ التّحليل ... وَ في قصا ئد أخرى من ديوان ( أغاني الحياة ) وجد ( سوف عبيد ) أصدا ء لافتةً من كتابات صوفيّين كبار كالسّهرورديّ مثلا
وَ هكذا فإنّ القوْل بأنّ الشّابّيّ شاعر منخرط في الحداثة الرّومنطيقيّة المُنفتحة في الكتابة على المُمكن وَ المُستقبل لا يتنافى ، حسبَ المُسامِر مع قولنا بأنّ الشّابّيَّ ، شاعرًا أصيلا ، استرفدَ في مشروعه الإبداعيّ الخلاّق النّقاط المُضيئة في التّراث ، وَ أبرزها الموْروث الصّوفيّ ، فالشّابّيّ الذي نزع جلباب أبوّة الشّعر القديم لم يستنكفْ أحيانا منَ التَّحَالِي إبداعيّا في جبّة المُريد الصّوفيّ المُنبهر بِزيّ شيخه ( قطبه ) ، إن في ما يكسو به جسده ، أوْ في العِبارة التي يكسو بها معنى شعره ... وَ لعلّ قدر الشّابّيّ في هذا الإطار هو قدر الشّاعر المُعاصر ، عامّة ، وَ الذي لا مفرّ له ــ كما قال ( أدونيس ) من التّأثّر قليلا أو كثيرا بِمناخات الإبداع الصّوفيّ .
*** عَبد العزيز الحاجّي ***
コメント