*المصدر ضفة ثالثة ـ
بالرغم من أنّ كتب السيرة الذاتية تحمل قدرًا لا بأس به من الخيال، إلا أنّه يظلّ أدب الاعتراف والبوح الشخصيّ والحميمي، وصولًا إلى كشف أحداث وأسرار في حياة المبدع.
لكن يبقى السؤال الأهم: إلى أي درجة يستطيع الكاتب في مجتمعنا أن يكشف أسرار حياته الشخصيّة، وهل ثمّة خطوط حمراء يصعب تجاوزها؟
هذا السؤال كان محور تحقيقنا في هذا الملف الخاص مع عدد من الكتّاب، جلّهم ممّن نشروا كتبًا تتناول سيرتهم الذاتية في الآونة الأخيرة.
عبد الهادي سعدون (روائي وأكاديمي عراقي):
أغلب نصوصي هي أجزاء من سيرة ذاتية غير معلنة
لم أجد نفسي حتى اليوم في كتابة سيرة ذاتية. وأفترض ان كتابتها يتطلب حياة طويلة، وتجارب هائلة. تجارب ربما لم أمر فيها، أو ما مررت فيها. ربما لم يحن وقتها بعد، أو قد يجيء في وقت بعيد، أو قريب، أو قد لا تأتي الفرصة إطلاقًا. على الأغلب كسلي في تتبع مراحل عديدة من حياتي ما بين بغداد ومدريد (وما بينهما من عشرات المدن التي عشت فيها ومررت فيها)، وهي حتمًا الحجة الأكثر إقناعًا لشخص مثلي في ما لو سئلت ذات مرة. فعلًا هذه الأخيرة أجدها أكثر إقناعًا.
أما الخشية والخوف من الكشف عن النفس ومحاولة مجاراة أعراف، وعدم التصادم مع آخرين، فهذه حقيقة كبرى تحكم الحلقات الأدبية العربية، ولست بخارج عنها. أعتقد أن عالمنا الأدبي العربي مازال في طور تكون في مجال السير الذاتية، فحتى تلك التي قرأناها وأحببناها، لسبب معين، نجدها ناقصة، وتبني نفسها إما على ثقل تجربة حياتية، أو تجربة أدبية، من دون الخوض في مسائل الخطوط الحمر عن العلاقات السرية مثلًا، أو الآراء السياسية، أو الشخصية، بمن عاصروا الكاتب نفسه. وهي تبقى عرجاء عاجزة، في أغلب المرات. مع مرور السنين، والانتباه إلى تجارب عالمية عديدة نطلع عليها ونقرأ لها، قد تلغي فينا هذا الجانب السيء الموحش والمخيف بالكشف عن حياتنا بشكل صريح وعميق وبنص أدبي مهم.
لكن لو أردت أن أوضح سيرتي، أو أن أوضح بعض من لمحاتها وتفاصيلها لقارئ نصوصي، أو ناقدها، فلا بد من توضيح بسيط، وهو أنني موجود في كل نصوصي حتمًا. سيرتي مدونة بشكل خفي فيها. لذلك أنثر تجاربي وأجزاء من حياتي في تجارب شخوص أغلب نتاجاتي الكتابية من قصيدة وقصة ورواية. بل إن الكثير منها هي فعلًا جزء من تجارب مررت بها. أعتقد ان كل واحد من الكتاب (على الأقل في تجربتي أنا) يبث هنا وهناك أطرافًا من حياته، ويوزعها بقصد، أو من دون قصد، بين شخوص نصوصه المتعددة، وهي لو جمعتها لكونت سيرة غير معلنة عن أي كاتب. بدوري أؤكد وأعلن أنها مبثوثة فعلًا، وبشكل هائل، في كل كتاباتي.
لكل ما قلت سابقًا لو قيظ لي أن أكتب يومًا ما سيرة عن حياتي، وما مر بي من مواقف وأشخاص ومدن وأحداث... إلخ، فإنني أرجو أن تكون صادقة فعلًا من دون تزويق، أو إخفاء، على نمط سير كتبها كتاب رائعون أحببنا كتبهم، وتعلقنا أكثر بهم بقراءة سيرهم الحياتية الأدبية، مثل كازنتزاكي في (الطريق إلى غريكو)، وبابلو نيرودا في (أشهد أنني قد عشت)، وطه حسين في (الأيام)، وغابرييل غارثيا ماركيز (عشتها لأروي)، وغيرهم. أما أعذب وأعمق سيرة ذاتية عراقية قرأتها حتى اليوم فهي سيرة (أصغي لرمادي)، للراحل حميد العقابي، والأخرى للشاعر الكبير صلاح نيازي في كتابه (غصن مطعم بشجرة غريبة).
التحقيق كاملاً:
Comments