"1".
أتْلَفوا العنَب بحقولنا وَأحْرَقوا سلال الخبز. ابادَتهم للنَسيم في كلّ صَيف، تُحطّم مَعْنَويّاتنا وَيَضْطَرنا عَجْزنا عَن تَمْويل المُرْتَزقَة باعانَتهم لَنا. الى العَمل بالسخْرة. كَواكب كَثيرَة غَرَقَت وَهيَ مُحمَّلَة بالمُبشِّرين، وَخَسرْنا ما جَمعْناه السَنَة الماضية في وَهْم الاستكْشافات. سيولٌ مُهْلكةٌ يطْلقها صَوب أكْواخنا الخصوم، وَندَفْعُ لَهُم الضَرائب لمشاغَلَهم عَن الشرّ الذي َلقّنوه في تَرْبيَتهم الدينية. حاجَتنا الى التَفرّق في لَيل المَناجم، وَتَلْبيَة نداء الذين انطووا على مَوتهم. تُحرّرنا مِن تَفْكيرنا باضمحْلال عَصَبيَتنا. اطْعام النسور جثث الدِّين بالمُجْتَمع، يُعذّب الخَلايا النائمة للشيوخ الوعّاظ الذين تُقدّسهم العامَّة. يُولد الله في داخل كلّ منّا وَحْده، وَيَتَشظَّى بسجون حَياتنا. أوْلَويَّة الايمان يُمْكن تَعرّضها لمناوشات الشَباب وَالكهولة، لكنَ الشعوب لَها مَصير واحد طوال التاريخ، وَلا أحَد يؤسِّس قَبره بمعْزَل عَن مَوت الآخَرين. الاحْجام
عَن العَيْش حتَّى آخر انفجار للثَمَرة، يثيب سأمنا وانجراحنا تَحت الشَمس السوْداء للوجود.
"2".
نَطْلب الغُفْران مِن العشّاق الذين كَمنا لَهُم، اتقاء لشرّهم بَين رَبيع فتياتنا اللاتي يَعْصرنَ ثيابهنَّ عند الشواطىء. خوفنا مِن المتوفّين يَجْعَل الأشجار تمرض وَتقذفنا بفؤوس نجوم. حاجاتنا الملحّة لدفع الأذى عن وفرة محاصيلنا، تلزمنا أن نفتقر الى الرحمة في ارواء الميت، أو منحه النومة المنجمية المدهونة. عوارض ضخمة نُربّي عندها الغيلان، ولا نُدجِّن السهام في لحظة مرور الشهاب. استئصال
السقم مِن المحراث الذي نُصاهره في لَيل الحَصاد، يعيننا على التَخلّص مِن المساجين وكبار السنّ الذين يدخرون ماضيهم ويرمون فَضلاتهم على الجثّث العارية. تَرْبية الأولاد على صفع آبائهم وَالتَجْديف ضدّ ما اعتقدوه. سَبيكة ذَهبية، نَتَبادلها مَعَ الملاّحين الذينَ جابوا العالم مِن أجل العثور على ما يعيننا للتَخلّص مِن العبودية.
"3".
أضعنا قرائن عظيمة بَعد مُصابنا ونحنُ نجهد في التحرّر من أغطية البركان. المُنجّمون الذين ظنناهم سيسعفوننا، قصَّروا النهار وتجافوا فزعنا الذي أُريق على الطبيعة. لنا حظوظ فسيحة حين نومنا بالصحراء الموائمة للملاحة، لكنَّ من غطسوا بالتماثيل المهدّمة التي عبدناها في الماضي. تأخروا كثيراً وهم يقتفون آثار الأمل. وصل الى ديارنا شعب غامض من الجبابرة، ومعهم أسوارهم وسجونهم. نشروا خيامهم اشارات فوق مخازننا وأحصوا موتانا في ابر الأساطير. أغلقوا قنوات الري وثقّبوا البسط التي نصدّ فيها ريح الافلاس، وَمَنَعونا تعطّشنا الى نبيذ الثأر.
زنابق حقولنا الآن مريضة في غرامها بالعدو، وَغيوم الفجر بحاجة الى الرثاء. شُعل كَثيرة حَول شفاهنا ماتت معطّرة في ارثنا المسلوب، وما نترقّبه من إلهتنا عشتار البتولة. ظلال أنصاب نُوسِّد عندها الجرحى في الظَهيرة. طيَش فراغ وَتَعفّنات تنظّمه قبائلنا بخصوماتها لبعضها البعض، وتجهز على الأنفاس الأخيرة للسنبلة والنجمة والنبع، ونوافذنا المتكسّرة مَكْشوفة لرواد الفَضاء الذين يُفجِّرون الشَمس في شراكتنا للأرض العَليلة.
"4".
طَقسٌ مَحْفوفٌ بجَسامَة الخَسارة نَتَقدَّم فيه بنكران يُماثل الابهام الذي نلجأ اليه في التَعرّف الى موتنا. أشياء كَثيرة ننفيها عن أيّامنا بالصقيع المتناوب والذي يغري الاثم الذي نرتاع منه في الدنو من الأفنان. لعثماتنا المزمورية بوصفها اشارة عيوب نؤهلها ونطلقها صوب الدروب المعكوسة للفردوس. من الفردي الى الكلّي نُشيِّد
الأنصاب بالنهار وَنُقدِّم نذورنا بالتدريج الى آلهتنا التي تَشك بايمان آدم وحواء. في انتظارنا لقنديل نيزك على صخور المحنة، نعيش أحلامنا المتجرّدة من المرايا ونرسب في الامتحان مع المستسلمين. وسائط كثيرة نعرج فيها الى الأعلى من أجل تلمّس الفرو الأزرق للذين نضفي عليهم الشرعية في صلاتنا لهم، لكن ما يتوالى علينا ونحنُ نترقَّب اثمار الشجرة. أشرعة ممزقة وأجنحة يهزّها السهر بهجير الآبار. تثبيت العدل عمل يومي للذين يتناوبون على تبرئة الأسرار من معاونتها للشيطان، وكلّ ما نطمح اليه في لعْبنا القمار. السكن الى جوار الصاعقة بالفة وترحاب.
"5".
سحب شقراء تعزلهم في الليل، عن الجانب الآخر من العالم، وآلهة الشعب
تَفْشَل بالعثور على مباضعهم الفارغة بين الأنقاض. يُجرّدون الأنهار من
نوافذها، وكلّ ضفّة حّظِيت بصاعقة. يقطّعونها هضبة، هضبة. الشيوخ
ينحون باللائمة ضدّ من يتولَّى الحكم ويغمره الاعتدال، لكن شفاعة ألآلهة المهجورة، كارثة أكثر من اللازم. الايمان ورشوة السَحَرَة عند الأشجار التي ترضع أطفالها في الأصيل. عبادة يشرف عليها الملك الذي يعصّب رأسه بثياب الأسلاف، ويأمر المرضى بحضن القابهم ورميها بالآجام. أشياء نفيسة يدفعها الرعايا الى من يظنون به الاستقامة والورع، لكن ظنونهم رثاثة على اليأس، وما من أمل يحفظ لهم كرامتهم التي ديست فيها قواهم الاخصابية.
"6".
خطَّطوا في الماضي لاغتيالنا بالآبار التي تتأذى من أجراس وضياء شياهنا.
أسلحتنا مضمونة، وكلّ صيَّاد منّا يسنّ ميتته على الأحجار المساعدة للسَنَة،
والايذاء في تأثيره على الشمس المضطجعة بأعالي الأشجار. صفة بمقدورنا
أن نتَّقيها ونصبح أوصياء على الشيء الذي يفلت بايقاظه للمعجزة. رفقتنا
للذئاب المماثلة لعجائب دوحة النَهار المتفحَّصة، أمثولة شفهية ترويها العجائز
بالحاح من السحرة الذين نشروا الذعر في الربيع. جذور كثيرة تحتضر بالأفنان
المعزولة لليل، ونحن نبطىء سيرنا من أجل ايقاظ النائم بالقرب مِن سنبلة حياته.
وتيرة راشدة يطاردنا فيها الأشرار، ولا يرغبون في أن نصبح أشقّاء لهم. أذية
الميت وتبرير أفعاله أمام الدود الذي يسلّمه عظامه، حدث مهيب لدماثة الحكم بالإعدام.
نصيف الناصري
Comentários