top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

الرَّئِيسَةُ بقلم الكاتبة التّونسيّة زهرة مراد


هِيَ تَسْكُنُ بَيْتًا كَبِيرًا، يَنْتَصِبُ فَوْقَ رَبْوَةٍ عَالِيَةٍ تَمْتَدُّ عَلَى طَرَفِ الْمَدِينَةِ. لَكِنَّهَا تَعْمَلُ فِي مَدِينَةٍ أُخْرَى. عَلَيْهَا أَنْ تَتَنَقَّلَ يَوْمِيًّا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كِيلُومِتْرٍ لِتَقُومَ بِعَمَلِهَا. وَحِينَ تَعُودُ، يَكُونُ التَّعَبُ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا مَأْخَذًا.

حِينَ اِسْتَيْقَظَتْ، نَظَرَتْ إِلَى السَّاعَةِ فَأَدْرَكَتْ أَنَّهَا تَأَخَّرَتْ. أَسْرَعَتْ تُعِدُّ نَفْسَهَا لِلْخُرُوجِ. وَدُونَ أَنْ تُفْطِرَ، خَرَجَتْ وَبِيَدِهَا كُلُّ لَوَازِمِ عَمَلِهَا وَمِفْتَاحُ السَّيَّارَةِ. لَمْ تُوقِظْ أَحَدًا. فَتَحَت الْبَابَ الْخَلْفِيَّ لِتَضَعَ حَقِيبَةَ يَدِهَا وَحَقِيبَةَ الْحَاسُوبِ وَآلَةَ الطِّبَاعَةِ الصَّغِيرَةِ ثُمَّ فَتَحَتِ الْبَابَ الْأَمَامِيَّ وَجَلَسَتْ أَمَامَ عَجَلَةِ الْقِيَادَةِ. "مَا هَذَا؟" إِنَّهَا لَا تَجِدُ نَفْسَهَا مُرْتَاحَةً فِي الْجُلُوسِ. يَبْدُو أَنَّ الْكُرْسِيَّ لَيْسَ فِي مَكَانِهِ الْمُعْتَادِ! عَلَيْهَا تَعْدِيلُهُ! "مَاذَا يَحْدُثُ؟" إِنَّهُ يَبْدُو ثَابِتًا...لَا يَتَحَرَّكُ...

- مِسْكِينَةٌ هِيَ سَيَّارَتِي...أَصْبَحَ الْكِبَرُ بَادِيًا عَلَيْهَا. لَقَدْ تَآكَلَتْ مَفَاصِلُهَا وَلَمْ تَعُدْ تَتَحَرَّكُ بِسُهُولَةٍ...حَالُهَا كَحَالِ الْبِلَادِ. مَاذَا سَأَفْعَلُ الْآنَ؟

تَنَاوَلَتْ هَاتِفَهَا وَطَلَبَتْ زَوْجَهَا:

- اِعْذِرْنِي إِنْ أَيْقَظْتُكَ فِي يَوْمِ عُطْلَتِكَ...لَكِنَّنِي مُضْطَرَّةٌ... مَقْعَدُ السَّيَّارَةِ لَا يَتَحَرَّكُ إِلَى الْأَمَامِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ يَدِي تُؤْلِمُنِي وَلَا أَسْتَطِيعُ اِسْتِعْمَالَهَا بِقُوَّةٍ.

- هلْ مَا زِلْتِ أَمَامَ الْبَيْتِ؟

- نَعَمْ. لَا أَسْتَطِيعُ الْقِيَادَةَ وَالْكُرْسِيُّ فِي هَذَا الْوَضْعِ.

- ...

خَرَجَ زَوْجُهَا مِنَ الْبَيْتِ بِلِبَاسِ النَّوْمِ. مَنْ سَيَرَاهُ وَالشَّارِعُ خَالٍ إِلَّا مِنْ بَعْضِ الْقِطَطِ؟ الْوَقْتُ مُبَكِّرٌ. وَالْمَدِينَةُ لَا تَزَالُ غَارِقَةً فِي الْأَحْلَامِ.

طَلَبَ إِلَيْهَا أَنْ تَبْقَى فِي مَكَانِهَا أَمَامَ عَجَلَةِ الْقِيَادَةِ وَأَنْ تَرْفَعَ الذِّرَاعَ الْمَوْجُودَةَ أَسْفَلَ يَمِينِ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْأَعْلَى. فَعَلَتْ ذَلِكَ بَيْنَمَا جَلَسَ هُوَ عَلَى الْكُرْسِيِّ الْخَلْفِيِّ يَدْفَعُ الْكُرْسِيَّ الّذِي تَجْلِسُ هِيَ عَلَيْهِ.

- هَلْ هَكَذَا يُنَاسِبُكِ؟

- نَعَمْ شُكْرًا لَكَ.

- طَرِيقُ السَّلَامَةِ.

اِنْطَلَقَتْ بِبُطْءٍ. مُحَرِّكُ السَّيَّارَةِ مَا زَالَ بَارِدًا. سَيَّارَةٌ مُسِنَّةٌ، عَلَيْهَا أَنْ تَرْأَفَ بِهَا حَتَّى لَا تَخْذِلَهَا. فِي بِلَادِنَا نَحْنُ مُجْبَرُونَ أَنْ نُعَاشِرَ طَوِيلًا أَشْيَاءَنَا الصَّغِيرَةَ وَحَتَّى الْكَبِيرَةَ مِنْهَا. حَتَّى سَيِّئَاتِنَا، نُعَاشِرُهَا طَوِيلًا. لَيْسَ سَهْلًا عَلَيْنَا أَنْ نَتَخَلَّى عَنْ قَدِيمِنَا.

كَانَ الْمِذْيَاعُ مَفْتُوحًا وَهِيَ تَقُودُ السَّيَّارَةَ. فِي طَرِيقِهَا إِلَى الْعَمَلِ، الْمِذْيَاعُ هُوَ رَفِيقُ دَرْبِهَا يَوْمِيًّا. وَذَلِكَ الصَّحَفِيُّ الَّذِي يُسَمِّيهِ زَمِيلُهُ "قَلْبَ الْأَسَدِ"، تَسْتَمْتِعُ كُلَّ صَبَاحٍ بِمَا يُقَدِّمُهُ مِنْ شُرُوحٍ لِمَا يَحْدُثُ فِي الْوَطَنِ. الْبِلَادُ تَعِيشُ بَيْنَ مَدٍّ وَجَزْرٍ مُنْذُ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، فَمَرَّةً هِيَ الْفَوْضَى، وَمَرَّةً هُوَ السُّكُونُ الَّذِي يَسْبِقُ الْعَوَاصِفَ. تَارَةً تَهُزُّ الْبِلَادَ مَوْجَةٌ مِنَ الاِغْتِيَالَاتِ، وَتَارَةً هِيَ الْاِحْتِجَاجَاتُ. وَبَاتَ الْمُوَاطِنُ الْعَادِيُّ يَكَادُ لَا يَفْهَمُ شَيْئًا. وَرَغْمَ عَدَمِ الْفَهْمِ، أَصْبَحَ الْجَمِيعُ يُنَاقِشُونَ الأُمُورَ السِّيَاسِيَّةَ. الْجَمِيعُ، لَهُمْ رَأْيٌ فِي مَا يَجْرِي. وَتَبْقَى الْأُمُورُ غَيْرَ وَاضِحَةٍ. الْجَمِيعُ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ "ثَوْرَةٍ" وَ"ثَوْرَةٍ مُضَادَّةٍ"، لَكِنْ مَنْ قَامَ بِالثَّوْرَةِ وَمَنْ وَرَاءَ الثَّوْرَةِ الْمُضَادَّةِ؟ وَهَلْ أَنَّ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ كَافِيَةٌ لِاسْتِكْمَالِ الْمَسَارِ الثَّوْريِّ؟ لَا أَحَدَ يَعْلَمُ! الْجَمِيعُ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ ضَرُورَةِ إِيجَادِ حُلُولٍ لِلْمَشَاكِلِ الْاِقْتِصَادِيَّةِ وَالْاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَلَا أَحَدَ يُبَادِرُ بِفِعْلِ شَيْءٍ فِي هَذَا الْاِتِّجَاهِ أَوْ ذَاكَ. الْجَمِيعُ يَدَّعُونَ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْيِيرِ الْأُمُورِ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ، وَيَبْقَى مُجَرَّدُ كَلَامٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. كُلُّ هَذِهِ الْمَوَاضِيعِ تَمُرُّ بِذِهْنِهَا يَوْمِيًّا وَهِيَ تَقُودُ سَيَّارَتَهَا وَتَسْتَمِعُ إِلَى "قلْبِ الْأَسَدِ".

كَثِيرًا مَا يَضَعُ "قَلْبُ الْأَسَدِ" إِصْبِعَهُ عَلَى الْجُرْحِ فَيَنْقُدُ دُونَ أَنْ يَنْتَقِدَ، وَيُوَجِّهُ الْأَسْئِلَةَ دُونَ حَرَجٍ إِلَى كُلِّ مَسْؤُولٍ عَنِ الْوَضْعِ الَّذِي يَعِيشُهُ الْوَطَنُ. تُونِسُ بِتَارِيخِهَا وَحَضَارَتِهَا وَرُمُوزِهَا الْخَالِدَةِ، أَرْضُ عِلِّيسَةَ، أَرْضُ الْكَاهِنَةِ، وَأَرْضُ يُوغَرْطَةَ وَحَنَّبَعْل تَعِيشُ أَرْذَلَ عُهُودِهَا. هَذِهِ الْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي أَنْجَبَتْ اِبْنَ خَلْدُون وَعَلِيْ بِنْ غْذَاهُمْ وَفَرْحَاتْ حَشَّادْ وَأَبَا الْقَاسِمِ الشَّابِّي وَالطَّاهِرْ الْحَدَّادْ وَبُورْقِيبَة وَمَحْمُودُ الْمِسْعدِي وَغَيْرَهُمُ الْكَثِيرُ...تَعِيشُ الْآنَ الْمَكَائِدَ وَالْمُؤَامَرَاتِ عَلَى شَعْبِهَا...

كَانَتْ تَسْتَمِعُ إِلَى "قَلْبِ الْأَسَدِ" وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ اِعْتِرَافَاتِ رَئِيسِ الْحُكُومَةِ بِوُجُودِ رِجَالِ أَعْمَالٍ مِنَ الْخَلِيجِ يُمَوِّلُونَ الْإِرْهَابَ فِي تُونِسَ. وَدَعَاهُ أَنْ يُعْطِيَ الْحَقِيقَةَ كَامِلَةً بِالْكَشْفِ عَنْ أَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ وَعَنْ بُلْدَانِهِمْ، وَإِلَّا فَهِيَ جَرِيمَةٌ فِي حَقِّ الْوَطَنِ وَالشَّعْبِ...

كَانَتْ تَسْتَمِعُ إِلَى الْمِذْيَاعِ بِانْتِبَاهٍ شَدِيدٍ، حِينَ سَمِعَتْ صَوتًا غَيْرَ عَادِيٍّ قَرِيبًا مِنْهَا...

- طَقْ...طَقْ...طَقْ...طَقْ...طَقْ...طَقْ...

- مَاذَا؟ مَا هَذَا الصَّوْتُ؟

- يَا اللّه...لَا يَنْقُصُنِي إِلَّا هَذَا...

لَقَدْ أَفْرَغَتْ الْعَجَلَةُ الْأَمَامِيَّةُ مَا بِجَوْفِهَا نِهَائِيًّا، وَعَلَيْهَا أَنْ تُغَيِّرَهَا. الطَّرِيقُ عَامِرٌ بِالسَّيَّارَاتِ وَالْحَافِلَاتِ وَالشَّاحِنَاتِ. هَلْ تَطْلُبُ الْمُسَاعَدَةَ؟ وَلَكِنْ مَنْ سَيَتَوَقَّفُ لِيُسَاعِدَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُبَكِّرِ، وَالْجَمِيعُ مُسْرِعُونَ إِلَى أَعْمَالِهِمْ؟

فَتَحَتْ حَقِيبَةَ السَّيَّارَةِ وَأَخْرَجَتْ عَجَلَةَ النَّجْدَةِ وَالْمَفَاتِيحَ. إِنَّهَا تَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَ الْعَجَلَةِ، لَوْ لَا هَذَا الْأَلَمُ الّذِي سَكَنَ مِرْفَقَهَا، إِنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنِ اِسْتِعْمَالِ يَدِهَا فِي أَيِّ مَجْهُودٍ مَهْمَا كَانَ بَسِيطًا...

بَقِيَتْ وَاقِفَةً عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، تَنْظُرُ إِلَى الشَّاحِنَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ الْعَابِرَةِ دُونَ أَنْ تَجْرُؤَ عَلَى الْإِشَارَةِ إِلَى أَيٍّ مِنْهَا لِطَلَبِ الْمُسَاعَدَةِ. أَضْوَاءُ السَّيَّارَةِ الْأَرْبَعَةُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا فِي مَوْقِعِ وُقُوفٍ اِضْطِرَارِيٍّ، فَمَنْ شَاءَ، تَوَقَّفَ وَسَاعَدَهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. هِيَ لَنْ تُحْرِجَ أَحَدًا. لَكِنَّ الْجَمِيعَ مُسْتَعْجِلُونَ...

هَا أحَدُهُمْ يَقْصِدُ عَمَلَهُ عَلَى دَرَّاجَةٍ نَارِيَّةٍ. إِنَّهُ يَتَوَقَّفُ حِذْوَهَا وَيَسْأَلُهَا عَمَّا إِذَا كَانَتْ تَحْتَاجُ شَيْئًا. نَعَمْ. لَمْ نَفْقِدْ كُلَّ شَيْءٍ. مَازِلْنَا نَمْتَلِكُ الشَّهَامَةَ. أَوْقَفَ الرَّجُلُ دَرَّاجَتَهُ جَانِبًا وَانْحَنَى يُغَيِّرُ الْعَجَلَةَ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَتْهُ بِمَا أَصَابَهَا...شَعُرَتْ بِالْفَخْرِ بِشَهَامَةِ اِبْنِ بَلَدِهَا. شَكَرَتْهُ وَدَعَتْ لَهُ بِالصَّحَّةِ حِينَ أَنْهَى الْمُهِمَّةَ وَتَمَنَّتْ لَهُ يَوْمًا مُوَفَّقًا ثُمَّ وَدَّعَتْهُ وَانْطَلَقَتْ مِنْ جَدِيدٍ...

كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَزُورَ بَعْضَ الْمَدَارِسِ الرِّيفِيَّةِ.

فِي مَدَارِسِنَا، تَتَعَلَّمُ الْأَجْيَالُ. أَطْفَالٌ، رِجَالُ وَنِسَاءُ الْغَدِ، تَرْعَاهُمْ الْمَدَارِسُ لِتُسَاعِدَهُمْ عَلَى شَقِّ الطَّرِيقِ إلَى مُسْتَقْبَلٍ أَفْضَلَ. فَهَلْ يَنْجَحُونَ فِي خِضَمِّ هَذِهِ الْفَوْضَى الَّتِي يَعِيشُهَا الْعَالَمُ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ بَعْضُ الْخَارِجِينَ عَنِ الزَّمَنِ وَعَنِ الْقَانُونِ مِنْ تَدْجِينٍ لِلشُّعُوبِ؟ لَنْ يَكُونَ لِعَامَّةِ النَّاسِ مَكَانٌ فِي التَّعْلِيمِ. سَيَقْتَصِرُ كُلُّ طَيِّبٍ عَلَى الْحُكَّامِ وَالشُّيُوخِ، وَأَيُّ شُيُوخٍ هُمْ هَؤُلَاءِ؟ مُنْذُ مَجِيئِهِمْ، جَاءَ مَعَهُم الْخَرَابُ وًالدَّمَارُ.

كَانَتْ تُفَكِّرُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَهِيَ تَتَّجِهُ نَحْوَ طَرِيقٍ فَرْعِيٍّ يُوصِلُهَا إِلَى إِحْدَى الْمَدَارِسِ. الطَّرِيقُ طَوِيلٌ وَمُلْتَوٍ، وَمُهْتَرِئٌ، تَهْرَبُ مِنْ حُفْرَةٍ فَتَجِدُ عَجَلَاتِ السَّيَّارَةِ فِي حُفْرَةٍ أَكْبَرَ، تَسِيرُ بِبُطْءٍ تَجَنُّبًا لِتِلْكَ الْحُفَرِ، لَكِنَّهَا لَا تَجِدُ مَفَرًّا، السَّيَّارَةُ تَهْتَزُّ حِينًا وَتَنْزِلُ أَحْيَانًا، وَهَذِهِ الْحَوَاجِزُ الَّتِي يُثَبِّتُونَهَا عَلَى الطَّرِيقِ الْمُعَبَّدِ لِإجْبَارِنَا عَلَى تَخْفِيضِ السُّرْعَةِ، لَا تَزِيدُ الْأَعْصَابَ إِلاّ تَوَتُّرًا، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ بِسَبَبِهَا، وَتُحَاوِلُ جَاهِدَةً أَنْ تَمُرَّ فَوْقَهَا دُونَ أَنْ تَتَأَذَّى السَّيَّارَةُ. أَمْوَالٌ طَائِلَةٌ تُصْرَفُ لِتَثْبِيتِهَا كَرَبْوَةٍ يُقِيمُونَهَا دُونَ تَفْكِيرٍ فِي سَلْبِيَّاتِهَا. وَكَمْ مِنْ كَارِثَةٍ قَاتِلَةٍ حَدَثَتْ بِسَبَبِهَا فِي أَمَاكِنَ عَدِيدَةٍ! أَلَيْسَ الْأَجْدَرُ بِنَا أَنْ نُوَظِّفَ تِلْكَ الْأَمْوَالَ فِي إِصْلَاحِ الْمُعَبَّدِ، وَتَوْعِيَةِ مُسْتَعْمِلِي السَّيَّارَاتِ وَالطُّرُقَاتِ وَغَرْسِ ثَقَافَةِ حُسْنِ اِسْتِعْمَالِ الطَّرِيقِ لَدَيْهِمْ، وَاحْتِرَامِ الْقَوَانِينِ، بَدَلَ هَذِهِ الشَّيَاطِينِ الرَّاقِدَةِ؟

آهٍ لَوْ أُعْطَى السُّلْطَةَ فِي بَلَدِي...وَلِمَ لَا؟! صَحِيحٌ، أَنَا لَسْتُ مَشْهُورَةً وَلَا حَتَّى مَعْرُوفَةً. أَنَا مُرَبِّيَةٌ أَقُومُ بِمُسَاعَدَةِ زُمَلَائِي وَزَمِيلَاتِي فِي الْمَدَارِسِ الَّتِي أَزُورُهَا. صَحِيحٌ أَنَّنِي لَسْتُ نَاشِطَةً سِيَاسِيَّةً، وَلَيْسَ لِي اِنْتِمَاءٌ لِأَيِّ حِزْبٍ سِيَاسِيٍّ، لَكِنَّ حُبِّي وَوَلَائِي لِوَطَنِي لَا أُجَادِلُ فِيهِ.

سَأُقَدِّمُ تَرَشُّحِي وَلْنَرَ مَاذَا يَحْدُثُ.

لَا أَحَدَ يَعْرِفُهَا غَيْرَ أَصْدِقَائِهَا وَزُمَلَائِهَا. وَالَّذِينَ يَعْرِفُونَهَا عَنْ قُرْبٍ يَحْتَرِمُونَهَا، وَتُعْجِبُهُمْ أَفْكَارُهَا وَآرَاؤُهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا جَمِيعًا فَالْكَثِيرُ مِنْهُمْ عَلَى الْأَقَلِّ، لَدَيْهَا مَكَانَةٌ عِنْدَهُمْ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي لِأَنْ تَتَرَشَّحَ. الْاِنْتِخَابَاتُ تَتَطَلَّبُ تَمْوِيلًا مَادِّيًّا وَحَمَلَاتٍ مُكَلِّفَةً وَجُهْدًا كَبِيرًا وَدَعْمًا أَكْبَرَ مِنْ الْقَوَاعِدِ. وَأَيُّ قَوَاعِدَ لَهَا لِتَقْتَحِمَ الْمَجَالَ السِّيَاسِيَّ؟ لَا تَجْرِبَةَ وَلَا خِبْرَةَ سِيَاسِيَّةَ وَلَا دَعْمَ وَلَا مَالَ. هِيَ تَمْلِكُ حُبًّا صَادِقًا لِهَذَا الْوَطَنِ وَهَذَا الشَّعْبِ، تَمْلِكُ صِدْقَهَا وَأَمَلًا فِي جِيلٍ مُتَنَوِّرٍ مُثَقَّفٍ سَلِيمٍ مِنَ الْحِقْدِ وَالْعُقَدِ، تَمْلِكُ حُلْمًا بِأَرْضٍ تَجْمَعُ وَلَا تُفَرِّقُ. تَمْلِكُ آمَالَ كُلِّ التُّونِسِيِّينَ فِي حَيَاةٍ كَرِيمَةٍ وَعَدَالَةٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ وَقَانُونٍ يَعْلُو فَوْقَ الْجَمِيعِ وَلَا يَعْلُو فَوْقَهُ أَحَدٌ. لَدَيْهَا الْأَفْكَارُ النَّيِّرَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَبْنِيَ بِهَا وَطَنًا، لَهَا الْقُدْرَةُ عَلَى تَصَوُّرِ الْأَفْضَلِ وَالطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيْهِ. فَهَلْ يَا تُرَى هِيَ تَحْلُمُ بِالْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةِ؟

قَالَتْ لِنَفْسِهَا: لَنْ أَخْسَرَ شَيْئًا، سَأُقَدِّمُ تَرَشُّحِي وَلَنْ أَفْعَلَ مَا فَعَلَهُ هُؤُلَاءِ الَّذِينَ مَوَّلُوا حَمْلَاتِ الدِّعَايَةِ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ شَعْبٍ فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ لِكُلِّ مِلِّيمٍ.

هَكَذَا قَرَّرَتْ أَنْ تَتَقَدَّمَ لِلْاِنْتِخَابَاتِ الرِّئَاسِيَّةِ. وَخِلَالَ حَمْلَتِهَا الْاِنْتِخَابِيَّةِ، قَدَّمَتْ بَرْنَامَجًا تُصَوِّرُ فِيهِ كَيْفَ يَكُونُ تَسْيِيرُ الدَّوْلَةِ وَلَمْ تُهْمِلْ فِي تَصَوُّرِهَا التَّفَاصِيلَ الصَّغِيرَةَ، لِتَتَمَكَّنَ الْبِلَادُ مِنْ تَجَاوُزِ مِحْنتِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا.

تَلَقَّى أَصْدِقَاؤُهَا وَأَقَارِبُهَا وَمَعَارِفُهَا خَبَرَ تَرَشُّحِهَا بِتَعَجُّبٍ وَانْدِهَاشٍ لَا يَخْلُو مِنَ الْفَرْحَةِ. فَهُمْ يَعْرِفُونَهَا وَيثِقُونَ بِهَا، لَكِنْ، هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ لِتَنْجَحَ؟ إِنَّ طَيْفًا مِنَ الْقَوَاعِدِ لَا يُسْتَهَانُ بِهِ يَعْمَلُ فِي الظَّلَامِ ضِدَّ أَيِّ نُورٍ قَدْ يُشِعُّ عَلَى الْوَطَنِ، طَيْفٌ يَعْمَلُ بِكُلِّ قُوَّةٍ وَبِكُلِّ الْأَشْكَالِ وَعَلَى كُلِّ الْمُسْتَوَيَاتِ تَدْعَمُهُ فِي ذَلِكَ قُوَى أُخْرَى وَتُوَفِّرُ لَهُ كُلَّ مُتَطَلِّبَاتِ الْفَوْزِ، إِنَّهُ الْمَالُ الَّذِي تُشْتَرَى بِهِ الْأَصْوَاتُ وَالْذِّمَمُ. وَهَلْ تَلُومُ إِنسَانًا بَسِيطًا فِي تَفْكِيرِهِ، أَوْهَمُوهُ بِأَنَّ بَيْعَ صَوْتِهِ سَيَضْمَنُ لَهُ الْعَيْشَ بِكَرَامَةٍ؟

وَهَذَا الْعَدَدُ الْكَبِيرُ مِنْ مُرَشَّحِي الْأَحْزَابِ الَّتِي اِنْتَشَرَتْ بَعْدَ اِنْطِلَاقِ "الثَّوْرَةِ" كَمَا يَنْتَشِرُ الْفُقَاعُ، أَيْنَ سَتَجِدُ نَفْسَهَا بَيْنَهُمْ؟

قَرَّرَتْ أَلَّا تَتَرَاجَعَ وَأَلَّا تَنْسَحِبَ مَهْمَا كَانَتْ الْأَوْضَاعُ. فَهِيَ لَنْ تَأْخُذَ مِلِّيمًا وَاحِدًا مِنْ أَحَدٍ لِدَعْمِ حَمْلَتِهَا. آهٍ لَوْ تَفُوزُ بِالرِّئَاسَةِ!

جَلَسَتْ أَمَامَ الْحَاسُوبِ يَوْمًا تُتَابِعُ أَخْبَارَ الْحَمَلَاتِ الْاِنْتِخَابِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ الْجَرَائِدِ وَالْمَجَلَّاتِ الْاِلِكْترُونِيَّةِ وَالْمَوَاقِعِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ، لِتَرَى صَدَى تَرَشُّحِهَا، فَإِذَا هِيَ الْمُفَاجَأَةُ: صَفَحَاتٌ عَدِيدَةٌ تَتَكَلَّمُ عَنْهَا وَتَدْعَمُهَا دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَدْنَى عِلْمٍ بِأَصْحَابِهَا. هَلْ هُوَ الْحَظُّ يَقِفُ إِلَى جَانِبِهَا؟ رُبَّمَا! مَنْ يَدْرِي!؟ قَدْ يَكُونُوا أُعْجِبُوا وَاقْتَنَعُوا بِمَا قَدَّمَتْ مِنْ بَرَامِجَ! وَتَابَعَتْ الْبَحْثَ عَلَى النَّاتِ.

هُنَا صَفْحَةٌ تَدْعُو لِانْتِخَابِهَا وَتُشِيدُ بِبَرْنَامَجِهَا...وَهُنَا صَفَحَاتٌ لِمُرِيدِيهَا يَنْشُرُونَ آرَاءَهَا وَيُنَاقِشُونَهَا مَعَ الْجَمِيعِ سَاعِينَ إِلَى إِقْنَاعِ أَكْبَرِ عَدَدٍ مُمْكِنٍ بِالْوُقُوفِ إِلَى جَانِبِهَا. وَهَذِهِ صُوَرٌ أُخِذَتْ لَهَا بِعَفْوِيَّةٍ تَنْتَشِرُ هُنَا وَهُنَاكَ. وَتِلْكَ فِيدِيُوهَاتٌ تَتَحَدَّثُ عَنْهَا. إِنَّهَا لَمْ تُنَظِّمْ أَيَّ لِقَاءٍ مَعَ أَحَدٍ وَلَمْ تُكَلِّفْ أَحَدًا لِيَفْعَلَ كُلَّ هَذَا...لَكِنَّ الْجَمِيعَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْهَا...

وَجَاءَ الْيَوْمُ الْمُحَدَّدُ لِلْاِنْتِخَابَاتِ، وَأَدْلَى الْكَثِيرُونَ بِأَصْوَاتِهِمْ بَيْنَمَا امْتَنَعَ عَدَدٌ كَبِيرٌ عَنْ الْمُشَارَكَةِ وَالتَّصْوِيتِ، وَانْتَظَرَ الشَّعْبُ النَّتَائِجَ بِفَارِغِ الصَّبْرِ، وَالْهَيْأَةُ الْعُلْيَا لِلْاِنْتِخَابَاتِ تُؤَجِّلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ الْإِعْلَانَ عَنْهَا...وَفِي الْأَثْنَاءِ، تُقَرِّرُ مُعَاقَبَةَ مَنْ سَبِقَ الْأَحْدَاثَ وَقَدَّمَ رُؤْيَةً اِسْتِشْرَافِيَّةً لِلنَّتَائِجِ الْمُنْتَظَرَةِ... وَفِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمَعُ أَخْبَارًا مُتَنَاقِضَةً...وَكُلٌّ يَرَى الْأُمُورَ مِنْ زَاوِيَتِهِ.

وَأَخِيرًا...أُعْلِنَتِ النَّتِيجَةُ النِّهَائِيَّةُ. وَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا تَوَقَّعَ الْبَعْضُ. كَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ مُدَوِّيَةً فِي الْبِلَادِ بَلْ فِي الْعَالَمِ بِأَكْمَلِهِ.

قَرَأَتِ الْمُذِيعَةُ بَلَاغًا صَادِرًا عَنْ رِئَاسَةِ الْجُمْهُورِيَّةِ... فَاشْرَأَبَّتِ الْأَعْنَاقُ نَحْوَ مَحَطَّاتِ التِّلْفَازِ: "تُعْلِمُ مُؤَسَّسَةُ الرِّئَاسَةِ التُّونِسِيَّةِ أَنَّ خِطَابًا رِئَاسِيًّا يَتَوَجَّهُ إِلَى كَافَّةِ شَرَائِحِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ صَبَاحِ الْغَدِ..."

فِي مَسَاءِ نَفْسِ الْيَوْمِ، وَصَلَتْ إِلَى الْمُدُنِ وَالْقُرَى بَرْقِيَّاتٌ مِنَ الْمُؤَسَّسَةِ الرِّئَاسِيَّةِ تَطْلُبُ تَوْفِيرَ شَاشَاتٍ كَبِيرَةٍ فِي الشَّوَارِعِ الْكَبِيرَةِ وَسَاحَاتِ الْمَدَارِسِ وَالْمَعَاهِدِ وَالسَّاحَاتِ الْعَامَّةِ لِنَقْلِ الْخِطَابِ الرِّئَاسِيِّ لِلْجَمِيعِ. كَمَا أَمَرَتْ الْمُؤَسَّسَةُ الرِّئَاسِيَّةُ كَافَّةَ الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِدَارِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ الْحُكُومِيَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِأَنْ تَسْمَحَ لِمَنْظُورِيهَا بِمُتَابَعَةِ الْخِطَابِ الرِّئَاسِيِّ فِي وَقْتِهِ وَسَاعَتِهِ...

تَنَاقَلَتِ الْأَفْوَاهُ الْبَلَاغَ بِانْدِهَاشٍ مِنْ سُرْعَةِ التَّفَاعُلِ مَعَ الْأَحْدَاثِ وَتَلَقَّفَتْهُ الْآذَانُ بِانْتِبَاهٍ وَتَلَهُّفٍ لِمَا سَيُقَالُ...تَعَدَّدَتْ لَيْلَتَهَا الْأَحَادِيثُ فِي الْمَقَاهِي وَفِي الْبُيُوتِ، بَيْنَ الْكُهُولِ وَالشَّبَابِ، وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ: "لَمْ يَسْتَطِعِ الرِّجَالُ أَنْ يُسَيِّرُوهَا. فَهَلْ سَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ اِمْرَأَةٌ؟! إِنَّهُ هُرَاءٌ...

- وَاللهِ قُلْتِ الْحَقّ، مَا ڤــدُّوهَاشْ الصُّيُودَة!

- مَنْ يَدْرِي! أَلَيْسَتِ اللَّبْوَةُ هِيَ مَنْ تَهْتَمُّ بِكُلِّ شَيْءٍ فِي حَيَاةِ الْأُسُودِ!؟

- لَا أَفْهَمُ كَيْفَ تَحْتَقِرُونَ الْمَرْأَةَ وَقَدْ أَثْبَتَتْ أَنَّهَا جَدِيرَةٌ بِكُلِّ اِحْتِرَامٍ! أَلَا تَرَوْنَ مَا تُحَقِّقُهُ فِي الْعَالَمِ؟ إِنَّهَا فِي كُلِّ مَجَالٍ! أَلَا تَعِيشُونَ زَمَانَكُمْ؟ وَمَا تَقُومُ بِهِ مِنْ أَدْوَارٍ فِي أُسَرِكُمْ، أَلَيْسَ كَافِيًا لِتَعْتَرِفُوا بِقُدُرَاتِهَا؟!

- بْرَبِّي يِزِّينَا بْلاَ فَلْسْفَة مْتَاعِكْ اِنْتَ! تُخْطُبْ عْلِينَا بِالْفُصْحَى كَايِنِّكْ مَا قْرِيتْ كَانْ اِنْتَ...بِاللهِ مْرَا...آشْ بَاشْ تْنَجِّمْ تَعْمِلْ قُدَّامْ الاِرْهَابْ...وَاِلاَّ قُدَّامْ مُشْكِلْ الِبْطَالَة…وَاِلاّ مُشْكِلْ الأسْعَارْ...تِي النَّاسْ الكُلّ حَابْسَة...رَبِّي يُسْتُرْ مِ الاّيَامْ الجَّايَة...تْخَافْ لاَ يْوَلِّي الدَّمْ لِلرّْكُبْ...

- أَنْتَ لَا تَعْرِفُ مَا يُمْكِنُ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ هَذِهِ السَّيِّدَةُ. إنَّهَا اِمْرَأَةٌ تُونِسِيَّةٌ، وَرِثَتْ الْكِبْرَ عَنْ عِلِّيسَة وَالشَّجَاعَةَ عَنِ الْكَاهِنَة، لَقَدْ قَرَأْنَا لَهَا كُتُبَهَا وَسِيرَتَهَا وَنَعْرِفُ أَفْكَارَهَا وَلَنْ تَعْجَزَ عَنْ إِنْقَاذِ الْبِلَادِ. لَيْسَ لِأَنَّهَا اِمْرَأَةٌ بَلْ لِأَنَّ لَهَا تَصَوُّرًا مُلَائِمًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ مَشْرُوعٍ آخَرَ...

- هَايْ نِجْحِتْ وِوْلِّتْ تُحْكُمْ فِيكُمْ مْرَا...تَوّْ نْشُوفُو آشْ بَاشْ تَعْمِلْ لَلِّتْ النّْسَا...غِيرْ تْفَكْرُونِي...مَا تْزِيدْ تْخَلْوِضْهَا... وِيْوَلَّي الشَّعْبْ يَشْطَحْ عْلَى طَارْ بُو فِلْسْ...

- كَفَاكَ هُرَاءً يَا رَجُل...

- ...

- زَعْمَة يِتْبَدِّلْ الْحَالْ مْعَ الرَّئِيسَة؟

- بَالِكْ!؟ أشْكُونْ يَعْرِفْ الْخِيرْ عْلَى يْدِينْ شْكُونْ يْجِي؟

- زَعْمَة يْخَلُّوهَا!؟

- وَعْلاَشْ مَا يْخَلُّوهَاشْ؟ هِيَ رِبْحِتْ بِالْاِنْتِخَابَاتْ يَعْنِي عَنْدْهَا شَرْعِيَّة الصُّنْدُوقْ...مُوشْ هَكَّا يْقُولُو؟

- وَالله مَا تْجِيبْهَا كَانْ نْسَاهَا...تَوَّة تْشُوفْ كِيفَاشْ تَرْكَحْ الاُمُورْ وتُونِسْ تِزْيَانْ...

- ههههه اِن شَاء الله...أمَا مُوشْ عْلَى خَاطِرْ مَا تْجِيبْهَا كَانْ النّْسَا...

- الْمْرَا يَا وِلْدِي رَاهِي هِي اللِّي تْلِمّْ الشّمْلْ وِتْرَضِّي النَّاسْ الْكُلّْ...

"... -

بَاتَ الْحَدِيثُ لَيْلَتَهَا فِي كُلِّ الْأَمْكِنَةِ وَبَيْنَ كُلِّ النَّاسِ حَوْلَ الرَّئِيسَةِ الْمُنْتَخَبَةِ وَلَا شَيْءَ غَيْرَهُ...حَتَّى الْأَطْفَالُ...تَفَاعَلُوا مَعَ الْحَدَثِ:

- أُمِّي... بِالْحَقّْ...وَلَّاتْ عَنَّا رَئِيسَة مُوشْ رَئِيسْ؟

- إيْ نْعَمْ...

- وْهِيَ تْجِي رَئيسِةْ دَوْلَة مْرَا...مَيْسَالِشْ؟

- عْلاَشْ لَا! يَاخِي مُوشْ اِنْتِ وْخُوكْ تَقْرَاوْ كِيفْ كِيفْ؟ تْنَجْمُو كِيفْ تِنْجْحُوا تِخْدْمُو كِيفْ، كِيفْ، شْنُوَّة الْفَرْقْ يَاخِي؟ فَقَطْ اِنْتِ بْنَيّة وْهُوَ وْلَدْ...لَكِنْ الِاثْنِينْ تْنَجْمُو تِنْجْحُو فِي اللِّي تْحِبُّو...كُلّ وَاحِدْ مِنْكُمْ عَنْدُو عْقَلْ...وْمَجْهُودِكْ هُوَ اللِّي يْوَصْلِكْ لِلِّي تْحِبّْ...

- مَعْنَاهَا مُمْكِنْ أنَا فِي يُومْ مِ الأيّامْ نْوَلّي رَئِيسَة إِذَا قْرِيتْ وِتْعَلِّمْتْ وِنْجِحْتْ وْكُنْتْ مِ الْمُمْتَازِينْ؟

- اللِّي عَنْدْ رَبّي مُوشْ بْعِيدْ بِنْتِي...لَوْ تَعَلَّقَتْ هِمَّةُ الْمَرْءِ بِمَا وَرَاءَ الْعَرْشِ...لَنَالَهُ...

- آشْ مَعْنَاهَا يَا أُمِّي؟

- مَعْنَاهَا اللِّي يْحِبْ يُوصِلْ...يُوصِلْ...

أَشْرَقَتْ شَمْسُ الصَّبَاحِ وَأَرْسَلَتْ أَشِعَّتَهَا بِبُطْءٍ شَدِيدٍ. الْجَمِيعُ عَلَى الْجَمْرِ يَنْتَظِرُونَ مَا سَتَقُولُهُ الرَّئِيسَةُ. فِي الْمَقَاهِي، اِسْتَعَدَّ النَّاسُ وَاتَّخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مَكَانَهُ كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ مُقَابَلَةً رِيَاضِيَّةً مُهِمَّةً لِلْمُنْتَخَبِ. فِي الشَّوَارِعِ وَفِي السَّاحَاتِ وَالْمَعَاهِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ عُلِّقَتِ الشَّاشَاتُ الْكَبِيرَةُ لِتَسْهِيلِ مُتَابَعَةِ الْخِطَابِ الرِّئَاسِيِّ. فِي الْمَنَازِلِ، أَنْهَتْ رَبَّاتُ الْبُيُوتِ شُؤُونَهُنَّ بَاكِرًا وَاجْتَمَعَ كُلُّ مَنْ فِي الْبَيْتِ أَمَامَ الشَّاشَةِ الصَّغِيرَةِ. الْمُدُنُ وَالْأَرْيَافُ تَقِفُ عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ، هَلْ هُوَ اِحْتِفَالٌ؟ أَمْ مُجَرَّدُ تَرَقُّبٍ لِشَيْءٍ مَّا قَدْ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ؟

لَا أَحَدَ يَعْلَمُ مَا سَتَقُولُ الرَّئِيسَةُ الْجَدِيدَةُ. أُنَاسٌ كَثِيرُونَ لَا يَعْرِفُونَ مَنْ تَكُونُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَطَلَّتْ عَلَيْهِمْ فَجْأَةً مِنْ قَصْرِ قَرْطَاجَ. لَكِنَّهُمْ مُتَفَائِلُونَ، تُرَى هَلْ تَصْدُقُ أَحَاسِيسُهُمْ؟ هَلْ تَكُونُ هِيَ الْأَفْضَلُ؟ أَمْ أَنَّ سِحْرَ الْكُرْسِيِّ وَالْقَصْرِ سَيَفْعَلُ مَفْعُولَهُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ أَنْ تَسْتَقِرَّ فِيهِ؟ لَا أَحَدَ يَدْرِي إِنْ كَانَتْ الْأُمُورُ سَتَتَحَسَّنُ عَلَى يَدَيْهَا. لَا أَحَدَ يَجْزِمُ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْعَلَ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ الْحُكُومَاتُ السَّابِقَةُ فِعْلَهُ. لَا أَحَدَ يَعْرِفُ إِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السَّيْطَرَةِ عَلَى الْأُمُورِ فِي الْبِلَادِ، وَالْإِرْهَابُ يَدُقُّ جَمِيعَ الْأَبْوَابِ...وَرَغْمَ ذَلِكَ هُمْ يَنْتَظِرُونَ مَا سَتَقُولُ...

دَقَّتْ السَّاعَةُ الْعَاشِرَةُ مِنْ صَبَاحِ يَوْمٍ سَمَاؤُهُ صَافِيَةٌ وَشَمْسُهُ مُعْتَدِلَةٌ فِي وَطَنٍ تَآكَلَتْ أَطْرَافُهُ وَتَصَارَعَتْ أَطْيَافُهُ، وَتَلَاشَتْ مَشَاعِرُ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ أَهْلِهِ، وَانْدَثَرَتْ مَفَاهِيمُ الْوَطَنِيَّةِ بَيْنَ مُدُنِهِ وَأَرْيَافِهِ، وَارْتَبَكَتْ فِيهِ أَيَادِي صُنَّاعِ الْقَرَارِ بَيْنَ مَدٍّ وَجَزْرٍ لِلْأَخْذِ بِـالثَّار (بِالثَّأْرِ). اِنْتَشَرَ الْحِقْدُ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَضِدَّ الْأَنْصَارِ، فَانْفَلَتَتْ وَازْدَهَرَتْ فِيهِ الْأَوْكَارُ الْبَاعِثَةُ لِنَتَانَةِ الْأَفْكَارِ...الطَّقْسُ مُسْتَحَبٌّ، لَكِنَّ الْجَوَّ الْعَامَّ مُغَيَّمٌ وَمُدْلَهِمٌّ لَا تُحْسِنُ فِيهِ النَّفْسُ إِلَّا أَنْ تَصْبِرَ غَصْبًا عَنْهَا رَغْمَ أَنَّ الصَّبْرَ يَسْتَدْعِي صَبْرًا لِيَكُونَ.

هَا هِيَ الرَّئِيسَةُ تَظْهَرُ عَلَى الشَّاشَةِ، وَتَشْرَئِبُّ الْأَعْنَاقُ، وَتَتَسَمَّرُ الْعُيُونُ عَلَى الْمَشْهَدِ، وَتُفْتَحُ الْآذَانُ لِتُنْصِتَ، وَفَجْأَةً سُمِعَ دَوِيٌّ اِهْتَزَّتْ لَهُ الْمِنَصَّةُ اِهتِزَازًا، وَتَهَاوَتِ الرَّئِيسَةُ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَسْلِمَةً لِلْغِيَابِ. وَحِينَ اِسْتَعَادَتْ وَعْيَهَا، سَمِعَتْ أَصْوَاتًا قَرِيبَةً مِنْهَا لَمْ تَتَبَيَّن مَا كَانَتْ تَقُولُ...

16 views0 comments

留言

評等為 0(最高為 5 顆星)。
暫無評等

新增評等
bottom of page