top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

التظاهر بالغرق. الى محمد مظلوم. نص الشاعر العراقي المهاجر نصيف الناصري


"1".

تَغَلَّبْتُ على الذين حاكوا لي الدسائس وكُنتُ أخفي عَنكِ

الريشة المُتكتَّمة. لكُلّ وقت ريشته

التي تلسَعُ ابرتها الشَمس.

ليَكُن فَوق خصلات شَعرَك يا حبيبتي ندى أيَّام السجناء

وما يُعزَّيهم. لا يتملَّكني الفزع وأنتِ تنشدين الراحة

الأبديَّة في لهفتكِ للموت. الملامة تصلح للذين يتلمَّسون

الأمل في الضربة المباغتة. أسوأ شيء لا نجرؤ فيه

على الارتياع مِن الغياب، هو الصيام بأقنعة بالية في

حقل المطبخ. لماذا تُبرِّئين الغير مِن تُهمة حيازة ما

يندثر؟ لديّ الأدلَّة في تردَّدكِ على الأشجار المتململة

وأعرف انَّكِ تجهدين ذاتكِ، في تأمّل النسغ الغَريب

الذي يخفي في داخله الغيمة. بعد فقدانكِ انتهى بي

الزَمن الى أن أنتظر الفرج للحاق بكِ وأنتِ في بيتكِ

المُترَع برائحة الجنازات.

"2".

كان في ذهني أن أستبقي بعض الأيَّام قبل الشروع

بالرحلة، لكنّ الكثير مِن الذين خَيَّموا في ليل البرّيّة

المُتحوِّلة. ربطوا خيوط حيواتهم الى النوافذ المغلقة.

كُنتُ مثلهم واستبشرتُ بمجيء فراشة مِن الفضاء.

شهاب موتي يرافقني على الدوام ويضيء لي طريق

الغابة بتمامه. تعيق الذي لا يحتمل مرضه، اللحظة

المسلَّية لغروب الشمس، وأغلب أسرار الأعشاش

تظلُّ مكتومة عَن الذين لا يجرؤن على الغرق خشية

اللوم.

"3".

يوازن البعض عَن غبطة بَين حياة الاثم وحياة

الطهر، وليس كُلّ زَمن تسعفنا فيه الآلهة

في الثقة بالسلطة. علامة الخيانة تظهر عند

غالبية الذين لا يساورهم الشكَ بعدالة السماء.

دَنوْنا مِن الذين تمرَّسوا في قَتل الانسانية

واقتضى الأمر الى أن نتَّخذ التدابير

مِنهم ومِن التراجيديين الكهنة.

ملوكنا الفجَّار.

يا الله، استهواني في التضرَّع

اليك، غُفرانك وعدالتك. حاول

مرَّة على الأقل قبل موتي، أن لا

تستجيب الى القَتلة الذين يصدّونك

عَن حماية خليقتك.

"4".

يقولون أن الهَدف مِن سعيكِ الى فَتح رِتاج الزَمن عنوة،

هو انَّكِ لا ترغبين بالاقلاع عَن ارتداء الألبسة الحائلة.

المواظبة على تفحّص جصّ القَبر قَبل الموت، ضرورة

تقتضيها عدالة مرض الانسان، والآلهة لا تنشغل بتأمين

لوازم المائدة. رَّفراف الطائر يشبه الشهاب وليست كُلّ

أرض صالحة للنوم، وفي الطبيعة أشياء كثيرة ضارَّة

وتُدمِّر المأوى. أظهَرت لنا السنوات الكيفية التي نتفادى

فيها التخمينات غير الصائبة، والمُستقبل يغري بالدنوّ

مِن النهاية ويُحفِّزنا على أن نتمّ مراسم الرحلة الى ما

لا عودة منه. شبكة دبقة يشقّها الليل الى نصفين، نعبرها

بتوجّس ونحيا أيَّامنا بلا شهيَّة لفتنة الموت.

"5".

تضاعفت أعداد القبور في أرضنا والذي لم توافه

منيَّته، يجهد ليحصل على اتصال بالله. المُبَرَّأ مِن

ضَربة الصاعقة، يستميل الأذى لزيادة صحّته،

والكثير مِن الذين عرفتهم يسرِّعون حَركة السهم

لئلا تفارق أرواحهم الأبدان. حصدنا القمح بعد أن

خرقنا الهدنة مع الأطبّاء، ولم نتلقَّ أيّ إطراء مِن

الأسياد. لماذا التحلَّي بالصبر والشهامة وكُلّ ما لا

نفع فيه، يُسيّجُ الهاوية القذرة لحيواتنا؟

"6".

تتمسَّك الروح بالغصن والمقبض القصير للأيَّام، لكنّ

إنماء المرء لسخطه وتبرّمه مِن أرتال الألم التي تعبر

مِن فوقه ساعة القيلولة. يُجرّده مِن كُلّ امكانية للظفر

بكرامته. في العالم حجارة محفورة لذرّيّة المَيت ولا

تنفع الخبرة في تجنّب الدود حين يشرع بغزل صوف

الجيفة. للموتى كما للأحياء شظايا الرماد التي تتساقط

فوقهم، وليس في قُدرة أحد ما الاسهام برفع كُتَل النفاية

ومواجهة الظلمة الشاملة. تتفتَّتُ الذرَّات الفتية للزَمن

وينسبُ الينا الذين رحلوا وتركوا مباضعهم، الرضى

بالخلود.

"7".

ليس في مرارة الحنظل وحلاوة العسل اعجوبة،

نَهر العُمر يعاني اللدغة المُتكرّرة مِن أفعى أيَّام

المرض القائظة. البعض يتَّفق مع الذين يعودون

مِن التخوم ولا يظهرون ميولهم في النجاة مِن

الغرق، الى التجديف على شِيَم الآلهة. احتوت

البشرية الأعشاش الصغيرة للسخط الدائم مِن

الذين تُسمّيهم الفُضلاء، وشرعت مِن غير عمد

تقتنص الغربان وتحيا في الزمهرير. يتطلَّبُ

الحفاظ على الارث ارتياد الأرض المُتضرّرة

للقبور.

"8".

يَتقوَّضُ لدى الزُرَّاع الأمل أثناء نزول الأمطار

وأغلبهم، يفقدون الرغبة في الاسترداد مِن الزمن

ما ينبغي أن يُسْتَردّ. هل يجب الاستمرار في

ترك الأشجار تُقصفُ ولا أحد يغادر الأبنية

المُتشظّية؟ الدفء أثناء الظهيرة علامة شؤم،

وروح الميت التي يضطرّها الغبار الى ملاقاة

الصقيع. موَقَّرة في كبحها لغبطة الخلاص مِن

الشراك. الشعوب تركضُ في البراري ولا تلتفت

الى ما هو جدير بالبقاء، والحرص على اقتفاء

آثار الذين غيَّبهم الضوء العميق لزمردة الفناء.

يقتصرُ على الغَرقى وعلى بعض الذين احتاجوا

الى مراعاة الحركَة.

"9".

عَبَر السَهم وأدركتُ قيمة البُعد عَن الشيء غير

المرغوب برفقته. كان جَهْلي بما يفرضه عليّ

حلول روح الميت في بَدني، قَد أقنعني بتقبّل

نصيبي مِن حَياتي التي أمضيتها أردم الحُفَر.

مَن يصل الى أرض الآبار القاحلة، يَفوته أن

ينتسب الى الذين يمضغون الحجارة طوال

أيَّامهم بَين صدى التقرّحات اللامُتمهّلة، والآن

بَعد أن تخلَّيتُ عَن كُلّ ميولي في ترصّد ما كنت

أظنُّ فيه الخير. أحاولُ الاستجابة الى نداء ما

تذمَّرتُ منه على الدوام. الزَمن- الصدع، يخلو

مِن الكثافة المطلوبة للعَيش. يسارع الغَريب الى

اطفاء بذرة مرضه اللهَّابة، ويموت بلا قيمة في

أرض يتلاشى فيها الغُفران.

"10".

نزلتُ التلّ وفي يدي كِمادة أحاول أن أضعها على

الجبهة المحمومة لأخي الانسان. كُلّ ما يُوضَع على

الأرض مِن قبل الآلهة، شرٌّ وتتعاقب عليه النفاية.

تبنَّي الخصام الدائم مَع الثمرة المُدلاَّة فوق جثَّة

الميت، يضمن للحيّ الحفاظ على حقله وكفنه.

أكثر مِن وتد علَّقنا فيه القنديل الحرّ للوقت وأحصينا

عدد مَن ماتوا مِنّا، لكنّ اختلاف طرق الفناء في كُلّ

العصور. حَرمت الذين تشبَّثوا بالبقاء الأغطية

الضرورية لتجنّب البَرد في العالم.

"11".

أزمان مُحتدمة ولا ملجأ فيها للذي يحاول أن

يروّي غليله مِن أثداء الآبار. ينفجر بَين رمل

الشاطىء وبين رمل الصحراء، حقل القمح

الذي يحتشد فيه أهل العرس. لماذا تودّ القبور

امتلاكنا قبل أوان نضج الثمرة؟ لا تتقدَّم الينا

الشرور إلاَ ترضية للتجمّدات الدائمة في سكون

الطبيعة، أحلامنا مُغلَّفة بمظاريف مغشوشة ولا

أحد بوسعه النوم بعيداً عَن الذين يتجافون حجارة

البركان. أثقلني العوسج العليل لحياتي وتقدَّمتُ الى

الله، أطالب باستحقاقي مِن قسمتي في الإساءة إليّ

طوال كَدحي بَين المعازل المتصدّعة للمجذومين.

"12".

واقفاً أمام المرآة أتشاور مَع الشَبح في داخلي،

والعشبة العفنة تكبر في وجهي. كمَّية لا بأس

بها مِن الألم أشعر فيها وأتحمَّل الوطأة الثقيلة

لِلَفح السَّموم. لو كُنتُ أمتلك ثَروة أو بعض

رؤوس الماشية، لِما ارتكبتُ الفحش في أوَّل

صلاة لي الى مرضعتي. تتضوَّعُ أكثر مِن

نبتة سامَّة في الحُفرة، ويتمّ اغرائي بعد أن

أفرغت حَياتي مِن الدموع للنزول بلا خشية

مِن الطعم الباهت لعالم ما بَعد فرو الشمس.

"13".

أشارت إليّ حين غطستُ في البحر، كما لو

انّني كومة ملح على الساحل. وصفتُ لها

المكان الذي يتراصّ فيه الغرقى، فتملَّكها

الاحساس بوفرة النِعَم الإلهية على كُلّ مَن

ارتضى حياة الغَرق. شَجرة مثقلة بالنجوم

أهزّها فتنقلع مِن مكانها وأهجس انّها تتبرَّمُ

مِن الذي يزدريها. بعد أن وصلتُ الى احدى

الجزر، جمعتُ الحَصْباء ورميتُ بها الأمواج

المدوّية. صَحَّ عندي أن التظاهر بالغرق أكثر

جدوى مِن الغرق نفسه. هي وأنا انطبقَ علينا

المثل، عاريان غريقان لا يخجلان مِن طريقة

غرقهما.

نصيف الناصري

3 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page