top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

الاستاذ الأديب التونسي عبد المجيد يوسف في تقديم لكتاب صهاريج اللؤلؤ



من الناس من لا يعرف كتاب صهاريج اللؤلؤ من تأليف الكاتب المصري محمد توفيق البكري (1870 – 1932) مؤسّس أول مجمع للغة العربية في العصر الحديث في عهد الخديوي عباس حلمي. وكان من المؤسّسين في بيت كاتبنا مجموعة من علماء العصر منهم محمد عبده ومحمد بيرم ومحمد المويلحي واحمد بن أمين الشنقيطي الذي سيرد ذكره بعد حين. ترك البكري ثلاثة كتب معروفة هي صهاريج اللؤلؤ وأراجيز العرب وفحول البلاغة. مطبوعة كلها. وله كتب أخرى أٌقل ذكرا. والنسخة التي لدينا من صهاريج اللؤلؤ هي الطبعة الثانية أخرجها الملتزم بالطباعة محمد محمود حجاج الكتبي خلوًا من التاريخ ومكان الطبع لكن لا شك في أنها مطبوعة بمصر مجلدا في ما يناهز 400 صفحة باعتبار المقدمات والفهارس.. ولعلّ الطبعة الأولى غير المشروحة كان عنوانها "اللؤلؤ في الأدب" واتّخذ العنوان صهاريج اللؤلؤ في الطبعة الثّانية مع شرح الشنقيطي ومحمد لطفي المصري. وهو كتاب في فقه اللغة بالمعنى الذي أسنده الإغريق للفيلولوجيا أي حبّ اللغة وآدابها وإبراز عبقريتها وإثبات ما فيها من جواهر البلاغة والحكم. فقال المؤلف في مقدمة الكتاب: "أمّا بعد فهذه كلمات من النثر وأبيات من الشعر ضمنتها نخبا من الحِكَم وأقاويل من جوامع الكلم ...ومُثلات في المواعظ والاعتبار وشعشعتُها بأنظار الجهابذة المتقدّمين والحكماء المتأخّرين..." ولما كان المؤلف - فضلا عن مكانته الاجتماعية والمعرفية المرموقة وقربه من بلاط الخديوي- نقيبَ الأشراف وزعيم الطائفة الصّوفية - فقد تهافت عليه السائحون في طلب العلم منهم العالم الموريتاني أحمد بن أمين الشنقيطي (1905/1974) الذي تولى شرح صهاريج اللؤلؤ بمعية الشيخ أبي بكر محمد لطفي المصري(لم نعثر على ترجمة له) شرحا لغويا ودلاليا ووضعا له فهرسا بالموضوعات. والعبرة من كتاب صهاريج اللؤلؤ ومن كتب الفيلولوجيا في عصر التأليف أنه يفيدنا أمرين: أولهما أن اللغة العربية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت مهدّدة بالاندثار والتلاشي التدريجي وقد بدأ الكثير من مفرداتها يخرج من الاستعمال وحل محله ألفاظ من الإنجليزية والفرنسية والإيطالية ... ويكفي أن نطالع لغة الترسل بين موظفي الدولة ( مثل تقرير الجنرال حسين الموجه لخير الدين عن مرافقته للصادق باي الذي تحول إلى الجزائر لملاقاة نابوليون وتحيته او حتى كتاب الإتحاف لابن أبي الضياف وكتاب أقوم المسالك لخير الدين...) لنلمس طبيعة الجملة العربية والتراكيب الملتوية ووفرة الدخيل والألفاظ العامية. وفي مصر كان هناك " فوضى لغوية تنهش صفحات جرائد هذه الفترة، يؤازرها هجوم على اللغة العربية، وإصرار على أن تكون لغة العلم في المدارس هي اللغة الإنجليزية، ودعوة يبثها "ويلكوكس" –وهو مهندس إنجليزي- تدعو إلى الكتابة باللغة العامية، مدعيا أنها أقدر على إفهام عامة الناس." ( ماهر حسن فهمي : محمد توفيق البكري- دار الكاتب العربي للطباعة والنشر- القاهرة 1867م.) رأى متأبدو العصر وعلماؤه أن مجابهة هذا الوضع يكون بالحل الفيلولوجي أي بإحلال النّصوص الفصيحة الممعنة في البلاغة محل الإجلال وبعثها للوجود ونفض الغبار عن أساليبها ومفرداتها... والثاني هو التوجه نحو ترميم المعجم التّداولي العملي، ولا يكون ذلك إلا بإنشاء المجامع التي يكون من مهامها إيجاد ألفاظ لأداء الحاجات اليومية للمتكلمين وهو ما تمّ بالفعل في بيت محمد توفيق البكري حيث انتخبه الحاضرون رئيسا له... وتذكر المصادر أن المجمع وضع عشرين لفظة جديدة تعوّض الفاظا أعجمية منها مفردة " شرطي" بدلا عن "بوليس" في هذا الإطار من الصّراع الحضاري اللساني حينئذ يتنزّل كتاب صهاريج اللؤلؤ... مساهما في القيام بجانب من استحياء اللغة العربية ودرءا لاندثارها أمام المدّ الحضاري الغربي.

19 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page