* في ذكرى رحيلها الشاعرة الراحلة في عمر الوردة ليلى الزيتوني
مرّت أربعة سنوات على رحيلك يا إبنة روحي البكر وإبنة الأخت الأعز التي حضنت طفولتنا وساعدتنا لنكبر سريعا في المعنى. مرّت ولا زلت هنا ترافقين أيامي وتملئينها بهجة فائتة وتحد سابق، أنتظر في أي وقت أن ألتقيك أو أجدك بإنتظاري في الأماكن التي إعتدت مرافقتي إليها ،أنتظر أنتظر تعليقاتك على آخر ما كتبت أو غمزك على قصيدة ما... ثم أفيق انك بعيدة في مكان لا أستطيع الوصول إليه بخياري كما كثير من الأشياء في هذه البلدة الموبوءة بالسخافة الحقد والعنصرية، بالكاد أستطيع كما كنا نفعل معا نناضل لنضل أناسا حالمين بحرية مفتقدة ومساواة لا وجود لها وكرامة ممرغة منذ الولادة بلوننا المختلف ومنبتنا الشعبي وجهتنا القصية من ذلك الجنوب الوعر من خط مارث الحربي خط الدماء والاوجاع المتوارثة خط النسيان وخط المواجهة الدائمة مع الآخر العابر من على جراحاتنا. كنا نقف صدا ضدا معيقاتنا وكنت دائما معي في أغلب المعارك حتى التي سعيت لإبعادك عنها معزة وإشفاقا كنت ترفضين أن تتركيني وحدي أواجه قدري المتهدد بالمحو والتغييب من قبل السلط الغاشمة السلط السياسية والثقافية الإجتماعية، فهمت باكرا لما كانوا كلهم ضدي ما لم يفهمه أو يصدقه كثير من رفاق الصدف والمصلحة والمرحلة قبل التمكن. والمعرفة الحقة خطر شقاء ومسؤولية... لهذا ناصبوك العداء مثلما ناصبوني ولكن روحك الشاعرة ونفسك التواقة للفن والأدب البعيدة عن نفاق ومكر المدينة وألاعيبهم ما كانت تستطيع الصمود أمام عتو الجريمة المنظمة وتسلط حكومات الإلغاء والإقصاء. حملنا معا حمل أمة ووطن لم يكن لنا من حماية أو زاد سوى الحلم والإرادة وأنفسنا المفردة. وكان أن خاتلتني الأيام أخذتك وتركتني وأنا أنا أصل ذلك الوعي الشقي بالمكانة والوطن والآتي؟! قصفتك في ريعان الشباب وبدإ العطاء بعد أن أثخنتك بجراح من فوراسها الغدر. غدر ذوي القربى وتخلي الرفاق. الآن في هذا المعتقل تونس التي تكتم على أنفاسي وتستمر بخنق كل حركة وطموح لي مثلما دأبت وأشد أفتقدك حد الألم المكبوت واللوعة القاصمة وأدرك رغم الرعب الذي عايشناه في سنوات الجمر والحصار كم كانت تلك الأيام جميلة ورائعة كم كانت مدهشة ونحن نستخف بالمخاطر ونعمل على إنتصار الشمس في مواجهة ليل النظام المطبق وعيون عسسه الدنيئة، كانت رغم كل شيء حياة تعمل على أن تكون. يا ليلى أعلم أنك لم تبرحي روحي ولن تبرحي حتى الرحيل الأخير. أنت حية في بكل تلك التفاصيل التي عرفتها فيك ولا توجد عند غيرك، ذلك القبر الصامت المقيم في عمق مارث تلك القرية الغبارية كما كنت تدعينها أو قرية النسيان، لم تستطع أن تجعلني أنسى، نعم صدقتِ كل شيء ينسى هناك فالأنفس منذ الأزل معتادة على ذاكرة الموت والغياب في تلك الصحراء التي تأكل أبناءها بالحياة قبل أن تستقبل بقاياهم، أنت المختلفة نقطة النور في ذلك الظلام ستظلين حية في نفوس الكثيرين ممن عرفوك حية دائما في قلبي وقلب أمك فاطمة العزيزة الثكلى، الأيام تُنسي هذا طبيعي عند ضعيفي الذاكرة حتى من الإخوة والأقرباء فلا لوم على من هم موتى بالحياة. نحن الذين إليك وكنا دائما معك وبقربك، وأنا الذي لا يهدأ في نفسي السؤال :لماذا؟! لا أزال أنتظر اليوم الذي نلتقي فيه لنلقى السلام السلام الأبدي الذي لا تربكه مؤامرات ولا نفاق ولا حكومات ظالمة. عدى ذلك لن ننسى ولن نغفر لمن عذبنا أو كان سببا في ذلك أفوض أمري إلى الله فيهم هو حسبي ونعم الوكيل. لروحك السلام يا عزيزتي وإلى الملتقى القريب
Comments