top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

ألاَ بقلم الاستاذ والأديب عبد المجيد يوسف


ألاَ

...........

"ألا " بلام غير مضعّفة حرف غير عامل في الإعراب لكنّ وظيفته أسلوبية بالأساس. فإن قلت" ألا تجلسُ" فإن فعل تجلس يظل مرفوعا بدون تغيير. وهذا معنى قولنا غير عامل في الإعراب.

وأكثره في الخطبة. من ذلك قول علي بن ابي طالب في نهج البلاغة: "ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أنْ سدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه ولا ينقصه إن أهلكه (أهلك المالَ: أنفقه)"

كما نجده في شعر الحماسة أيضا كقول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علـينا

فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا

ويفرّق علي بن عيسى الرّمّاني بين استعمال للعَرْضِ وآخر للتحضيض ويضرب للأول مثلا: "ألا تقصدنا فنكرمك" وللثاني: "ألا اكرمت زيدا" وهما في نظرنا واحد وبعض المفسّرين لقوله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد 28) يهملون الاهتمام بالحرف إهمالا ذريعا ولم يلتفت إليه سوى أبي البقاء العكبري(توفي سنة 616هـ) حيث قال: "حرف تنبيه واستفتاح" ... وجعل له الرماني معنى آخر هو التمني وضرب مثلا:" ألا ماءً باردا؟ " وجعله منصوبا على المفعولية وأجاز الرفع على الابتداء. فالمسألة إذن في خصوص الإعراب متروكة لتاويل القول.

ويعلق ابن هشام على قول النحاة "حرف استفتاح" بأنهم "يبيّنون مكانها ويهملون معناها" وهو ما ذهبنا إليه في خصوص المفسرين للقرآن.

وابن هشام ينظر إلى هذا الحرف من جهة بنيته فيجعل الهمزة للاستفهام و"لا" للنفي فبذلك يصير الحرف مفيدا للتحقيق ويمثل على ذلك ب "أليس ذلك بقادر على أن يحييَ الموتى؟

أمّا الزمخشري في المفصل فيجعلها ضمن مجموعة سمّاها حروف التنبيه وهي: ها -وألا -وأما – ولم يذكر لها معاني أخرى.

وكان ابن يعيش في شرحه للمفصل قد ذهب هذا المذهب في كون الحرف انصهارا لهمزة الاستفهام ولا النافية فقال: " وهي (يعني ألا) مركبة من الهمزة ولا النافية مغيّرة عن معناها الأول إلى التنبيه، ولذلك جاز أن تليها لا النافية"

وفي خصوص انتقاد النّحاة على إهمالهم معانيه والاعتناء بموقعه في مطلع سلسلة التلفظ فإنّ قولهم حرف استفتاح لا يعني الموقع من هذه السلسلة فحسب ولكن يعني فضلا عن ذلك افتتاح العلاقة التّخاطبية من استجماع ذهن السّامع وتهيئته لتلقي الملفوظ مما يدخل الحرف في السياق التداولي.

ويتجه ابن هشام، شأنه شأن المتأخّرين من البلاغيين والنّحاة المولعين بالشرّح والتّوسّع في ما بلغهم من آثار الأئمّة، إلى تفصيل المعاني التي تُحمل على الحرف "لا". فيقول:

أولها أن يكون للتنبيه فيدل على تحقق ما بعده وقد سبقه النحاة الأوائل إلى هذا. والثاني ان يكون للتوبيخ والإنكار ويضرب لذلك مثلا(غير منسوب)

ألا ارعواءَ لمّن ولّت شبيبته

وآذنتْ بمشيب بعده هرم

والثالث أن يكون للتمني ومثّل له:

ألا عُمْرَ َولّى مستطاعٌ رجوعه....

والرابع أن يكون للاستفهام عن النفي ومثاله:

ألا اصطبارَ لسلمى أم لها جَلَدُ؟.....

والخامس أن يكون للعرْض والتحضيض ويجعلها في هذا المعنى دون غيره داخلة على الأفعال وحتى في هذا البيت حيث دخلت على اسم فإنه يجعل لها فعلا مضمرا (نقلا عن الخليل بن أحمد):

ألا رجلاً جزاه الله خيرا

يدلّ على مُحصِّلة تُبيت ؟

وفي نظرنا أنّ المعاني التي جعلت لهذا الحرف اثنان لا ثالث لهما وهما التنبيه واالتحضيض وما التفصيلات التي ذكرها ابن هشام إلا ضروب من التحضيض... وما بدا لابن هشام محمولا منها على الحرف إنما هي لمقام التلفظ وليس للحرف في ذاته.

ومع هذا فإنّ هذا الحرف يثير إشكالات إعرابيّة، فإذا ذهبنا مذهب الزمخشري في اعتبار الحرف مكونا من همزة الاستفهام ولا النافية وهو ما وافقه فيه ابن يعيش شارح كتابه فكيف نفسّر النصبَ في الإسم الذي يتعلق به؟

هذه المسالة متعلقة بطبيعة "لا" التي التحق بها اسم الاستفهام وحيث أن النافية لا عمل لها فإنّنا بصدد الناسخ الحرفي "لا" النافي للجنس العامل بالنّصب على ما يليه من الأسماء، وبالتالي فإنّ (ارعواءَ وعمْرَ واصطبار.َ..) في الأمثلة المتقدمة أسماء للناسخ.

وهكذا ينتهي التحليل إلى أنّ الحرف "لا" من حيث البنية نوعان ومن حيث الدلالة نوعان كذلك. الأول بنية صمّاء لا انصهار فيها بين مكوّنين، وظيفتها التنبيه والاستلفات، فهي من لوازم مقام التخاطب كما في" ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة..." ولو كانت "لا" للنفي لما أضاف بعدها "لا" ثانية. وكذلك في قول الشاعر "ألا لا يجهلن أحد علينا" من إضافة "لا" الناهية.

والثاني متكوّن ممّا أشار اليه النّحاة من انصهار همزة الاستفهام مع حرف "لا" لكنّه ليس للنّفي ولا للنّهي ولكنّه الناّسخ النافي للجنس بدليل نصب اسمه كما في: ألا رجلا جزاه الله خيرا....، ألا ماء باردا...


8 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page