(1)
ينسى أبي - شيئاً فشيئاً -
كلّ شيء كان يعرفه جيّداً من قبل
عقله
طائره الذي طار بعيداً
وليست ثمّة بقرات لتترك أثراً على الأرض
أحبَّ أبي السّحب
لكنّها كانت جبال نسيانه
لا تصنع أثراً لنفسها في الهواء
ولا أحد سيصارحها بذلك.
حتى المصارحة لن تساعدها في شيء
فالسّحب
لا تعرف ما الذي تفعله.
(2)
يحدِّث عُمّاله وطيوره بالطريقة ذاتها
بنعومة شديدة لا تتناسب مع رجل
الزّرازير، الدّجاجات العتيقة، الجرذان
تتحوّل أمامه إلى أبناء
قال لشحرور في البستان: "وماذا بعد يا بُني"
وحين انتبهتُ
وجدته يُحدّثني!
(3)
تتبدّد جبال السّحب الهادئة في الهواء
أحبَّ أبي هذه الأشياء
برسائلها الغريبة
وهي معلّقة فوق البيوت، الجسور، أسوار الحدائق
وفوق بقع المياه حيث تكمن الأسماك..
(يجب عليك أحياناً أن ترعاها
كما لو كنتَ مسؤولاً حكوميّاً).
(4)
مؤكد أنّ شخصاً ما
شهَّر به.. وذمَّه
وإلا فلماذا يتوقّف بهذه الطّريقة الغريبة في الغرفة
ثقيلاً كأنَّ الرّصاص في قدميه
يقول القانون: "ممنوعٌ أن تصيد الأسماك بطُعْم حيّ".
ويقول أبي: "كنتُ دوماً إنساناً محترماً
أموري جيّدة مع الأسماك البيضاء يا بُني
لا أصطادها أبداً بخطّاف ينغرس في ظهورها
بل بصنّارة دقيقة
في فمها"!
مؤكّد أنّ شخصاً ما
شهَّر به..
وذمَّه.
(5)
هذا هو أبي
بطيءٌ كفاية
ومُعتنٍ بأمنه وسلامته
ببنطال مخبّأة في جيوبه ثمانية وأربعون "خولدن *
البنطال المشدود بقسوة
إلى أسفل صدره
وخفّته التي
لا تُحتمل.
(6)
على بعد ثلاثة أرباع المتر
تسبح طائرة رمادية مزرقّة
موديل (26x14) سنتيمتر ذات حوافٍّ حمراء
تقودها امرأة صغيرة هشّة
امرأة تستطيع أن تقاومها بسهولة
مصنوعة من قليل من الصّوف.. وجوربين
وسلسلة في الرّقبة
وبالرّغم من نوم الجميع
ووضع الأسلحة جانباً
إلا أنّ الجوّ كان متوتّراً
والصمت يحزُّ الهواء مثل سكِّين
وعلى النّافذة التصق حلزون
جفَّ
واصفرت بشرته.
(7)
وهنت الرّيح.. وهبط الليل
المطر يحبو في الخارج بنعومة فوق المزارع
قلنا سيكون غروباً هادئاً
أمسيّة من البورسلين
وليلة ناعمة مثل أمّ
ستأتي بعد هنيهة بقدميها الكبيرتين
ووجهها الدّقيق.
* خولدن: عملة هولندية قديمة سبقت توحيد العملة الأوروبية اليورو.
Yorumlar